"رد الجميل"

 بقلم :هناء درويش 


في حارة صغيرة من حارات القاهرة القديمة، كان فيه راجل اسمه عم عويس، بيبيع فول من عربية خشب عند ناصية الشارع.

صوته دايمًا سابقه:

"فوووول بالنعناع.. سخن يا فول!"

وفي نفس الحارة، كان فيه طفل اسمه سليم، يتيم صغير، دايمًا بيقف جنب عم عويس يساعده: يلم الصحون، يقطع العيش، ويرد الباقي.

عم عويس كان دايمًا يقول له وهو يبتسم:

 "يا واد يا سليم، اللي يساعد من غير ما يُطلب، ربنا يساعده ساعة ما يتخنق!"

مرت السنين، وكبر سليم وبقى راجل متعلم، سافر واشتغل، وبنى نفسه قرش على قرش.

وفي يوم، رجع الحارة القديمة.. بس المرة دي راجع ببدلة غالية وعربية فخمة.

وقف عند نفس الناصية، لكن ما لقاش العربية الخشب.

سأل الناس:

 "عم عويس فين؟"

قالوله:

 "تعب يا بيه، وبطل شغل من زمان.. قاعد فوق في الدور التاني."

طلع له، لقاه شيخ كبير، بيبص من شباك صغير، ماسك مسبحة وبيضحك للفراغ.

قرب منه سليم وقال:

"فاكرني يا عم عويس؟ أنا سليم اللي كنت بساعدك زمان."

ابتسم الراجل وقال:

 "إزاي أنساك يا بني؟ دا إنت كنت النور اللي في عيني وأنا ببيع الفول!"

حط سليم ظرف كبير في إيده وقال له:

"ده عشان أرد جميلك، يا عم عويس."


لكن الشيخ هز راسه وقال:

 "يا بني، الجميل ما بيتردش.. الجميل بيتكمل."


سليم استغرب وقال:

– "يعني إيه؟"

قال عم عويس وهو بيضحك بحنية:

 "الجميل مش دين.. الجميل حياة!

أنا ساعدتك زمان وانت صغير، انت ساعدني النهارده وانا كبير، بس رد الجميل الحقيقي… إنك تساعد حد تاني محتاج، زي ما أنا ساعدتك."


سكت سليم لحظة، ونزل الشارع وهو يفكر في كلامه.

وقتها شاف طفل صغير بيجري حافي على الرصيف.

مد له إيده وقال له بابتسامة:

"تعالى يا بطل، عايز تشتغل معايا؟"


ومن بعيد، كان صوت عم عويس يطلع من الشباك وهو يضحك:

 "كده هو ده رد الجميل اللي يرضي ربنا!"


تعليقات