مريم الشكيلية بين البنفسج والكلمة .....حكاية لا تروى حتى تكتب
إعداد وتقديم: الأديب فايل المطاعني
"في البدء كانت الحكاية... وكانت الكلمة هي السفينة التي حملت أرواحنا نحو الضوء.
وبين أمواج الحروف، يولد الأدب الحقيقي، وتبقى الأصوات الصادقة هي التي تكتبنا قبل أن نكتبها."
في مجلسٍ يفيضُ بالحكايات، وتغشاه رائحة الحبر والعطر معًا، نفتح الليلة صفحة جديدة من مجلس الحكواتي الأدبي، نستضيف فيها قلمًا أنثويًّا ناعم الحضور، عميق الأثر، كتَبَ فاستمال القلوب، وتحدّث فأنصتت له العيون.
هي الكاتبة العُمانية مريم الشكيلية؛ الصوت النثري الذي يشبه القصيدة حين تبتسم، والمقالة حين تتأمل، والرسالة حين تحنّ.
كاتبة ومحررة في مجلة البنفسج الورقية، ومديرة مكتبها في سلطنة عُمان، وعضوة سابقة في الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، تناثرت كلماتها في الصحف والمجلات والوكالات العربية، وحصدت الجوائز تقديرًا لحروفها المضيئة.
نستضيفها اليوم لنتجوّل بين دفاترها، نسألها عمّا بين السطور، ونكشف عن سرّ اللغة التي تكتبها وتشبهها في الهدوء والدهشة.
س١: من أين بدأت الحكاية يا مريم؟ كيف كانت البذرة الأولى التي أنبتت هذا الشغف بالكتابة؟
ج: …في البداية أود أن أشكركم أستاذ على هذه اللفته الطيبة في إجراء هذا الحوار معي .تقديري وإمتناني...
كانت بدايتي بسيطة جداً كنت أبدي برأي لي في جريدة عمان في بعض القضايا الإجتماعية التي تخص المجتمع وأيضاً كنت أخربش بقلمي في كتابة النصوص في دفاتري منذ أن كنت طالبة في المدرسة الثانوية وبعدها جاءت الفرصة لنشر أول نص لي في جريدة عمان ثم جريدة الشبيبة .
س٢: عندما تمسكين بالقلم، هل تكتب مريم العالم أم تكتب نفسها في ملامح الآخرين؟
ج: ...من يطلع على نصوص مريم وكتاباتها قد يقرأها من زوايا مختلفة وبشكل مختلف قد يجدها قد كتبت بملامح صاحبها ولكن في طابع عام عالمي وقد يجدها العكس ولكنني أقول لك إن مريم تكتب الآخرين ..
س٣: هل تتذكرين أول نص كتبته؟ وما الشعور الذي راودكِ حين رأيت كلماتك مطبوعة لأول مرة؟
ج: …أول نص لي كان بعنوان بقايا حلم وكان العام 2011 كان في الحقيقة شعور لا يوصف وكنت في غاية الدهشة ..
س٤: كيف تصفين علاقتك بالكلمة؟ هل هي صديقة طيّعة أم مرآة تكشفك في كل مرة تحاولين الهروب؟
ج: …بالنسبة لي الكلمة بين مد وجزر أو بين صديقة تأتيني بكل سلاسة وبين عصية تتجمد في أعماق القلم وأحيان أيضاً وفي نصوص بسيطة تخرج الكلمة من سيطرة الغموض وتحاول أن تكون مرآة تكشف القليل مما ابقية في دهاليز النفس..
س٥: نصوصكِ النثرية تشبه الهمس الهادئ لكنها تمسّ القلب بعمق، ما السرّ وراء هذا التوازن بين الرقة والقوة؟
ج: …أحرص دائما وبقدر طاقتي أن أجعل الكلمة كأنها حياة وانني أقول دائماً لا أحب أن أكتب كلمات جافة أو لينه أحب أن يقرأ القارئ كلماتي وكأنه يدخل بستان مزهر وفي نفس الوقت أن يجد من كلماتي ما يشبه الإنبعاث القوي في المعنى بحيث يحدث الوقع في النفس كوقع المطر على الأرض.
س٦: أنتِ تكتبين المقال والنص النثري، فأين تشعرين أنكِ أكثر صدقًا مع ذاتك؟
ج: في النص النثري أكثر.
س٧: في نصّك الشهير «رسالة إلى لا أحد»، الذي نال المركز الأول في مسابقة أدبية سعودية، لمن كانت تلك الرسالة في الحقيقة؟
ج: …في الحقيقة لم تكن إلى أحد كانت خلجات نفس وكأنها تحلق لتصل وفي الحقيقة سألت هذا السؤال من قبل ولكن بطريقة مختلفة .
س٨: كيف تتعاملين مع لحظة الإلهام؟ وهل تؤمنين أن النص يولد في لحظة صدق أم يمكن صناعته بهدوء؟
ج: …الإلهام لحظة أو وقت قصير جداً لهذا عندما يأتي أغتنم الفرصة وأمسك به بين السطور وإلا تلاشى .كما وأنني أعتقد أن صناعة الحرف لا يمكن أن تولد إلا من لحظات صادقة وألم أو فرح عميق .
س٩: بصفتكِ مديرة مكتب مجلة البنفسج الورقية العراقية في سلطنة عُمان، كيف ترين مستقبل الصحافة الأدبية الورقية في زمن السوشيال ميديا؟
ج: …في الحقيقة ومن خلال تواجدي في مجلة البنفسج الورقية العراقية وممثلة بمدير مكتبها في سلطنة عمان وجدت أن الزملاء والعاملين فيها من خلال تعاملهم في تسخير السوشل ميديا في خدمة الحياة الأدبية من خلال حسابات المجلة في برامج التواصل وعمل ورشات ومشاركات في محافل مختلفة مثل المعارض وغيرها ونشرها عبر هذه المواقع مما يجعل مستقبل الصحافة الأدبية أن كانت ورقية أم إلكترونية تحظى بشعبية وإهتمام وبروز لافت لأن في نظري الإنسان هو من يسوق العمل الأدبي بطريقة ذكية مما يخرجه من الفسح الضيقة إلى آفاق واسعة .
س١٠: برأيك، ما الذي يحتاجه الأدب العُماني ليصل إلى مساحة أوسع عربيًا؟
ج: …في نظري يحتاج إلى ظهور واسع وإخراجه من قاعات المؤتمرات والندوات . الأدب العماني أدب غني وواسع ولنا السبق في كثير من المحافل ولنا تاريخ يشهد لنا ويحتاج فقط إلى العمل بتسليط الضوء عليه من قبل المؤثرين والعمل المؤثر وبعيداً عن التقليد .
س١١: لكِ تجربة واسعة في النشر بمؤسسات عربية ودولية، كيف تنظرين إلى تلقي القارئ العربي للنصوص العُمانية؟
ج: …من خلال تجربتي أقول إن القارئ العربي يجد في النصوص العمانية جمال يعكس الطبيعة العمانية والأرث العماني فالله الحمد اقرأ تفاعلات القراء العرب من كل وطن عربي بما يشعرني بالفخر والاعتزاز.
س١٢: الجوائز التي حصلتِ عليها… هل كانت لحظات فخر أم محطات تأمل؟
ج: …في الحقيقة الاثنين معاً.
س١٣: هل يمكن أن تكون الكتابة وسيلة شفاء للكاتب؟ أم أنها تزيد الجرح عمقًا؟
ج: …هي شفاء للكاتب حسب رأي الخاص لأن الكتابة هي اللغة التي عجزت عنه البوح عندما تجد طريقة للتعبير عما في نفسك بالكلمات ولا تجدها تكون الكتابة قارب نجاة والبعض نعم يجدها تزيد من الجرح حين يعيد تذكر الحدث بالكتابة والسرد .
س١٤: حين يقرأكِ القارئ، يشعر أن النص مكتوب من قلبٍ يُحب… هل ترين الكتابة فعل حب أم فعل مقاومة؟
ج: … على حسب النص الذي تكتبه هناك نصوص لا يمكن أن تكتبها إلا بلون العاطفة حتى تصل إلى وجدان القارئ وكأنه هو الذي كتبها وعبر عنها أو أنها تشرح حالته وكأنه يقول كأنها كتبت لي وبعض النصوص قد تلمس فيها مقاومة وكأنك كنت تقاوم وأنت تكتبها.
س١٥: من بين نصوصك، هل هناك نصّ تعتبرينه “ابنك المدلل”؟ ذلك الذي لم يفز بجائزة لكنه فاز بقلبك؟
ج: …ليس هناك نص دون آخر اعتبره إبن مدلل ولكنني اعتبر كل النصوص التي كتبتها هي أبناء لي حتى تلك التي لم تفز بجوائز ولكنها فازت بقربها من نفسي .وفي كل مرة أحاول أن أكتب نصا يكون الفارق بين الجميع وهذا ليس تقليل بما كتبت وإنما لحشد همة الكتابة لولادة نص يكون بروعة كل النصوص .
س١٦: بصراحة، هل تخشين لحظة الصمت؟ أن تجف الكلمات يومًا؟
ج: …في الحقيقة نعم وكثيراً ما راودني هذا الشعور إلا إن التشجيع كان يأتي من أصحاب الأرواح المؤمنة بجمال قلمي.
س١٧: بصفتكِ عضوًا فاعلًا في المشهد الثقافي، كيف تقيمين تفاعل الجيل الجديد من الكتّاب في سلطنة عمان؟
ج: …أرى أن الجيل الجديد يحاول أن يصنع له دور فاعل في المشهد الثقافي العماني من خلال كتاباتهم وسعيهم في إخراج أقلامهم إلى العلن وهذا من خلال تواجدهم في الصحف العمانية أو برامج التواصل الاجتماعي أو حتى الحياة اليومية من خلال نشر كتاباتهم حتى في محيط واقعهم وهناك من يخشى لإخراج قلمه خوفاً من النقد ويتفاعل بصمت على الساحة..
س١٨: ما الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة الكاتبة في تجديد الخطاب الأدبي العربي؟
ج: …المرأة يمكن لها أن تلعب دور مهم جداً فالمرأة لها حس يمكنها من نقل الخطاب الأدبي بصورة عميقة بحكم طبيعتها ودور المرأة اثبت إنه دور بارز في كل العصور ونحن لا ننسى دورها في الساحة العمانية والعربية .
س١٩: لو كانت للحياة فصل مفضل للكتابة، فأي الفصول تختار مريم الشكيلية لتكتب فيه؟ ولماذا؟
ج: …فصل الخريف والشتاء في نظري أنها فصول تفتح شهيتي للكتابه.
س٢٠: وأخيرًا، لو طُلب منك أن تختزلي رحلتك الأدبية في عنوان واحد فقط، فماذا سيكون عنوان حكايتك؟
ج: … حكاية حلم وحياة .
هكذا كانت مريم الشكيلية في مجلس الحكواتي الأدبي؛ كزهرة بنفسج نبتت بين سطور الكلام، تنثر عبيرها بهدوء، وتقول الكثير بصمتٍ جميل.
بين النثر والمقال، بين القلب والعقل، تمضي مريم بخطى واثقة، تكتب لتُبقي للكلمة ظلالًا من حياةٍ لا تزول.
الشكر العميق للكاتبة مريم الشكيلية على هذا الحوار الشفاف، ولحضورها الأنيق بين صفحات المجلس.
وشكرًا موصولًا إلى مجلس الحكواتي الأدبي على احتضانه للكلمة الجميلة،
وإلى الحكواتي فايل المطاعني على هذا الحضور الإبداعي الذي يجعل من الحوار حكايةً تُروى وتُخلّد بين أوراق الأدب.

تعليقات
إرسال تعليق