بقلم الكاتبة :عبير سيف الشبلية
دنا المساء فتدلى شيئًا فشيئًا حتى تلاشت الشمس بغروب عذب، وبدأ فصل الشتاء. أنارة الشوارع بددت الظلام في سكونه، وسرعان ما هربت النجوم وغاب القمر خلف الغيوم.
أشم رائحة مطر قريب… صدحت الأرجاء بابتهالات السجود ودعوات عسى أن تُستجاب. مطر… مطر! صغار يحبون الركض في الشارع، حتى أنا قررت أن أمشي بقربهم وأدعوا ربي أن يسقط المطر. فشاركتهم اللعب والضحك، إلى أن تناهى لمسامعنا صوت حبات المطر المتساقطة. الكل يجري ويقفز لهوا، ومددت يدي لألمس الحبات بجنون. يا للروعة…! كم أعشق المطر!
ومن لا يحب فصل الشتاء والمطر؟!
تحت المطر، طمأنينة تسكن الأرواح وتتآلف القلوب. تمتزج الليالي بحكايات جميلة معلقة، جميعنا نترقب الليلة بجوارحنا، فيتراءى لي طيف جدتي يتنقل من الركن حتى نهاية "الليوان"، أراها تشدو بسمر "الحزاوي" القديمة. فنضحك بلهو وصراخ، سرعان ما ننصت بفضول وإثارة حينما تكمل قصصًا تلامس أعماقنا برعشة الترقب والأمل.
يتناهى صوتها في أرجاء المكان. أرى يمينها الدافئة، حيث يتناول جدي فنجان القهوة فيتلمسه برضا إلى أن ينتهي بهزة الفنجان. لتعود وتهمس لأبي بسر، وسرعان ما تتلون ملامحه بالزهو. أعوام مضت، ويبقى طيف جدتي الحنون يزين عالمي بالسعادة والحنين.
ولا تزال قطرات المطر تنهمر، وتطرق على النوافذ والجدران، وأعيننا تراقب عن قرب، والابتسامة مرسومة على وجوهنا. دون سابق إنذار، نتسابق تحت حبات المطر لنغسل أرواحنا بماء الطهر وعبق العطر. فتظل رائحة المطر كالنسيم البارد، يتسلل إلى أطرافنا المرتجفة.
من كان ليفكر؟!
إنه الشتاء جاء محملاً بالسحاب والمطر، واللقاءات، والأحاديث، والصور… بأهازيج الشجن والفرح، وأمنيات نسجتها الليالي الباردة وأنعشتها مساحات الهدوء والأمان.
وكلما انهمرت الأمطار بغزارة، ازدادت الضوضاء وغشت الشوارع ضوضاء السيارات، فيلوذ الجميع بالفرار، يبحثون عن إشارة ضوء أخضر قبل أن تغلق المنافذ.

تعليقات
إرسال تعليق