طه حسين.. عميد الأدب العربي وضمير النهضة الحديثة

 


يُعدّ الدكتور طه حسين أحد أبرز رموز الفكر والأدب في القرن العشرين، وأحد الذين غيّروا وجه الثقافة العربية الحديثة.

لم يكن مجرد كاتبٍ أو ناقدٍ أو وزيرٍ، بل كان ضمير أمة نادى بالعلم والحرية والعقل.

من رحم الظلام خرج نورُه، ومن أعماق الفقر والعجز صعد إلى القمة الفكرية، ليصبح “عميد الأدب العربي” بلا منازع.

 النشأة والبدايات

وُلد طه حسين في 15 نوفمبر 1889م في قرية “الكيلو” بمحافظة المنيا في صعيد مصر، في أسرة متواضعة تضم ثلاثة عشر ولدًا.

أُصيب في طفولته بالتهاب في عينيه أفقده البصر وهو في سن الثالثة تقريبًا، لكن هذه المأساة لم تكسر إرادته.

حفظ القرآن الكريم في الكُتّاب، ثم التحق بالأزهر الشريف سنة 1902م، وهناك بدأ احتكاكه بعالم الفكر والفقه واللغة.

إلا أن روح طه حسين الثائرة لم تكتفِ بالتلقي، فبدأ يطرح الأسئلة ويشكّ في المسلّمات، مما جعله يصطدم بالجمود الفكري السائد آنذاك.


 رحلته التعليمية والفكرية

التحق بالجامعة المصرية سنة 1908م ضمن أول دفعة من طلابها، ونال شهادة الدكتوراه سنة 1914م عن أطروحته ذكرى أبي العلاء المعري.

ثم سافر إلى فرنسا ليدرس في جامعة السوربون، حيث حصل على الدكتوراه الثانية عن رسالة حول الفيلسوف ابن خلدون.


تأثر بالثقافة الغربية، خاصة بفكر ديكارت القائم على الشك كوسيلة للوصول إلى الحقيقة، وهو ما انعكس لاحقًا في كتابه المثير للجدل في الشعر الجاهلي.

مشروعه الفكري والتنويري

آمن طه حسين بأن التعليم هو طريق الحرية، وقال عبارته الخالدة:

 "التعليم كالماء والهواء، حق لكل إنسان."

دعا إلى تحرير العقل من الخرافة، وإلى تجديد الثقافة العربية على أسس علمية، واعتبر أن النهضة لا تقوم إلا على حرية الفكر.

وفي كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، وضع تصورًا متكاملًا لنهضة الأمة، مؤكدًا أن مصر جزء من الحضارة الأوروبية المتقدمة، ويجب أن تسير على طريق العلم والتنوير.

 أفكاره ومواقفه الجريئة

انتقد الجمود الأزهري ودعا إلى تجديد الفكر الديني.

آمن بالمساواة بين الرجل والمرأة.

رفض التمييز الطبقي، ورأى أن الفقر جريمة المجتمع لا الفرد.

دافع عن الحرية الفكرية حتى آخر أيامه.

اعتبر أن الأدب يجب أن يخدم الإنسان لا أن يبتعد عن واقعه.

 أسلوبه الأدبي

أسلوب طه حسين فريد من نوعه:

يجمع بين العمق الفلسفي والبلاغة الأدبية.

عباراته رشيقة متوازنة، تنساب كالموسيقى.

يستخدم اللغة العربية في أنقى صورها، لكنها سهلة للقارئ.

قال عنه النقاد إنه "كتب بالعقل، لكنّ قلبه كان يُملي عليه الجمال".

 أهم مؤلفاته وكتبه في النقد والفكر:

1. في الشعر الجاهلي (1926م)

2. حديث الأربعاء

3. مستقبل الثقافة في مصر

4. في الأدب الجاهلي

5. من حديث الشعر والنثر

6. ألوان

7. على هامش السيرة

8. من بعيد

9. مرآة الإسلام

 في الرواية والسرد:

1. دعاء الكروان

2. شجرة البؤس

3. أديب

4. المعذبون في الأرض

5. القصر المسحور

6. الحب الضائع

7. جنة الشوك

 في السيرة والتاريخ:


1. الأيام (ثلاثة أجزاء) — سيرته الذاتية الأشهر

2. الفتنة الكبرى: عثمان – علي

3. على باب الملوك

4. حديث الشباب

 طه حسين الإنسان

وراء المفكر الصارم، كان هناك إنسان رقيق المشاعر.

كانت زوجته الفرنسية سوزان بريسو عينه التي يرى بها العالم، ورفيقة دربه في كل مراحل حياته.

كانت تقرأ له الكتب، وتكتب ما يُمليه، وتصف له الألوان والمناظر، حتى قال عنها:

 "إنها عيني التي أُبصر بها، وقلبي الذي أشعر به."

أدواره الرسمية

عُيّن عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة.

ثم أصبح وزيرًا للمعارف (التعليم) سنة 1950م، وجعل التعليم مجانيًا في جميع مراحله.


عضو في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

رحيله وإرثه الخالد


توفي طه حسين في 28 أكتوبر 1973م، بعد أن ترك وراءه تراثًا فكريًا ضخمًا.

كان صوته دفاعًا عن النور في وجه الظلام، وعن الحرية في وجه التسلط، وعن العقل في وجه الخرافة.


من أقواله المأثورة:

"العلم كالماء والهواء."

"إني أتعلّم من الصغار كما يتعلّمون مني."

"ما ندمت على الصمت مرة، ولكن ندمت على الكلام مرات."

"العقل زينة لا تُستعار."


طه حسين ليس مجرد اسم في التاريخ، بل رمز خالد للوعي والإرادة والتنوير.

علّمنا أن النور لا يأتي من العينين، بل من الفكر، وأن الإعاقة الحقيقية هي الجهل لا العمى.

سيظل عميد الأدب العربي منارة لكل من يؤمن أن الكلمة قادرة على تغيير العالم.


تعليقات