زغاريد على جرح القلب ..الفصل الثامن

بقلم:  فايل المطاعني 


أمل راشد

قال الشيخ عبدالله عبر الهاتف بصوته المفعم بالودّ:

– إن شاء الله، إن شاء الله. إذن موعدنا بعد أسبوعين، لأن الخطبة لا تجوز على خطبة، فإذا البنت وافقت على من تقدّم لها، فخير وبركة، وإن لم يكن هناك نصيب، تخبرنا يا أخوي راشد. في النهاية، مسعود ولدنا، والبنت ما راحت بعيد، انتقلت من القلب واستقرت في العين.

– حاضرين، حاضرين.


أنهى الشيخ عبدالله المكالمة مع والد أمل، ثم التفت إلى زوجته قائلاً:

– سبحان الله، صدق من قال: من تكبر البنت يكثر خطابها. على العموم، كله خير، وين ما يكون النصيب تروح.

ثم أضاف وهو يضع نظارته على الطاولة:

– يا سعده، خبري ولدك لا يروح يكلم أحد في موضوع أمل، ولا يتهور ويتصل بأخوها. الحين البنت طالبتها ولدنا مسعود ولد حمود، والولد من أحسن الشباب خلقًا ودينًا. فإذا صارت من نصيبه، جفّت الأقلام ورُفعت الصحف.


ابتسمت سعده قائلة:

– ولا يهمك يا بوجاسم، أكيد دام الولد تقدّم قبل ولدنا، من سبق لبق. وبصراحة، حظه كبير إن كانت «أمل» عروسه، ما شاء الله، علم وجمال وأدب.

ثم تذكّرت بيتًا من الشعر فأنشدت بصوت خافت:


 انت ياللي رمش عينك على قلبي يمون

خلّي قلبي معك فالحب ياخذ راحته

أشهد إن الجاذبية بنظرات العيون

ما علينا من نيوتن ولا تفاحته

ضحك الشيخ عبدالله وقال بإعجاب:

– شو قلتي؟ عيدي الأبيات يا سعده، هذه أبيات طيبة.


فأعادت سعده الأبيات، فخلع الشيخ عبدالله الطاقية من رأسه ووضعها على رأسها ضاحكًا:

– أشهد يا سعده إنك نعم الزوجة، تعينيني وتشاركينني على الخير، وما شاء الله شاعرة بعد! ما رأيك تشاركين في مسابقة شاعرة المليون؟ متأكد أنك بتفوزين بالجائزة.


ضحكت سعده بخجل:

– الله يطول في عمرك، رفعت من معنوياتي يا شيخ الشباب. والله البنت تستاهل كل خير، وبعد أمها، يا بخته اللي بتكون عمته.


قال عبدالله مبتسمًا:

– ادعي إنها تكون من نصيب ولدنا، حتى هو شيخ الشباب، يشبهني لما كنت في عمره.


وغرق الاثنان في لحظة صفاء مليئة بالحنين والرضا.

لنتركهما هناك، ولنمضِ نحو بيت الوالد راشد...

بيت الوالد راشد


كان راشد جالسًا بعد صلاة العصر، يتحدث مع زوجته التي أنهت تنظيف البيت.

قال بنبرة متأنية:

– سمعي يا أم عبدالله، البنت جاها خاطب ثاني، ولد الشيخ عبدالله، المهندس جاسم، إمام المسجد.

بصراحة، فرحت لما طلبها الشيخ عبدالله، فالرجل فاضل ومعروف، لكن ما أريد أجبر البنت، هي اللي بتعيش مع الرجل، ولها حرية الاختيار.

ولولا أني أعطيت كلمة لصديقي أبو مسعود، كنت قلت للشيخ عبدالله يتفضل على طول.

لكن خلينا على اتفاقنا: إذا أمل قبلت بمسعود، خلاص انتهى الموضوع، وإن ما صار نصيب، بنتصل عليهم الأسبوع اللي بعده.


قالت أم عبدالله وهي تضع المكنسة جانبًا:

– صدقت يا بوعبدالله، أهم شي رضا البنت. ونحن علينا ننصح ونوجّه، والباقي بيد الله.

ثم أضافت وهي تضحك بخفة ظلها المعهودة:

– وأظن البنت عندها خبر بموضوع جاسم.


التفت راشد مستغربًا:

– وكيف عرفتي؟ هاتي علومك يا أم عبدالله.


ضحكت وقالت:

– بنت جامعية يا بوعبدالله، والبنات في الحارة يعرفن كل شيء. يمكن وحدة من أخوات جاسم لمّحت لها، أو حتى الصغيرة عواش، الله يهديها، ما في شيء يخفى عنها.

الحين الله يخلي الواتساب، ولا ذاك الجديد شو اسمه؟ كتكت ولا تيكتوك؟

آه يا زمان، كانت البنت ما تشوف زوجها إلا ليلة الدخلة.


ضحك راشد وهو يهز رأسه:

– هيه، زمان وراح. المهم، أنا رايح أصلي العصر، وانتبهوا للعزيمة، نبي بياض وجه أمام الضيوف، لا تقصروا.


تطلع الصورة أحلى


في الجهة الأخرى، كانت عائشة تحاول أن تخفف عن صديقتها أمل شيئًا من التوتر:

– الله يهديك يا أمل، سمعت عمي راشد يقول يبي حلا مثل اللي سويتيه لهم في رمضان، خبريني أي نوع يقصد؟


ردّت أمل بعد تفكير:

– والله ما أذكر، في رمضان كنت أجرب وصفات من الإنترنت، كل يوم حلا شكل.


قالت عائشة مبتسمة:

– ما يهم، أهم شي يطلع شي لذيذ. عبود يقولك قلب الرجل في كرشته، يعني إذا الأكل عجبَه، خلاص تنحلّ الأمور.


ضحكت أمل وقالت:

– صدق لسانه، يمكن فعلاً الحلا بيصلح ما أفسده العناد.


ردت عائشة بخبث لطيف:

– أهم شي خلي الصورة تطلع أحلى، وبالمناسبة، كيف ناوية تشوفين خطيبك؟


استغربت أمل:

– تشوفيني؟ كيف يعني؟ هو بيجي يشوفني، لكن بوجود أبوي وأهلي.


ضحكت عائشة:

– أي نظرة شرعية هذه؟ بيكون معاه أبوك وأمك وأهله كلهم، شكلها نظرة للجميع إلا لك.


انفجرت أمل ضاحكة:

– الله يستر منك ومن أفكارك.


قالت عائشة وهي ترفع حاجبيها:

– لا تخافي، عندي فكرة ما تخطر على بال أحد.


أمل بقلق:

– شكلك ناوية على مصيبة، شو ناوية تسوين؟


– بسيطة، تعالي الغرفة معاي، غرفة عبدالله.

لما يدخلون الرجال من الباب، بتفتحين ستارة النافذة شوي، تشوفينه من بعيد، والكل مشغول، محد بينتبه.

والكشافات بعد بتساعدك، بتشوفين المعرس بوضوح دون ما أحد يلاحظ.


قالت أمل مذهولة:

– من وين تجيبين هالأفكار؟


ابتسمت عائشة بفخر:

– من القصص البوليسية. لو تقرين مغامرات العميد حمد الشميسي للكاتب فايل المطاعني، بتتعلمين كيف نخطط بخفاء.


– من هذا الكاتب؟ جديد؟


– أي نعم، كاتب عماني معروف، وباكر بطّرش لك كتابه «جريمة على شاطئ العشاق». من الاسم تعرفين إنه شيق.


ابتسمت أمل أخيرًا وقالت:

– واضح من العنوان إنه يستاهل القراءة... يمكن أقرأه الليلة بعد النظرة.


وبين ضحك الفتاتين وارتباك المشاعر الأولى،

كانت القلوب تتهيأ لموعد لا يشبه أي يوم آخر...


يتبع...

تعليقات