زغاريد على جرح القلب ..الفصل السادس

تأليف : فايل المطاعني 

" جاسم عبدالله"

حلّ صباح الجمعة على المدينة، ومع عبير المساجد، كان الشيخ عبدالله يستعد للوقوف على منبره، يفكر في خطبة اليوم. عرف مسبقًا أن الأوقاف ستطلب منه ببساطة: أعد خطبة العام الماضي، فليس هناك جديد. فضحك الشيخ وهو يتأمل المصلين:

– أظن أن المصلين سيعطوني الزكاة من كثرة حديثي عن الزكاة ولمن تجب…


ابتسم وهو يتذكر العراقيل التي تواجه شباب اليوم، خاصة في موضوع الزواج. تذكر موقفًا طريفًا من الأسبوع الماضي، حيث جاءه شاب ملتزم وقال:

– يا شيخ، خطبت من سبع بيوت وكلهم رفضوني، لأنني ملتزم. البنت تقول: لا أريد مطوعًا يعقدني.


هز الشيخ رأسه قائلاً:

– لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم… الله يهدي البنات.


ثم همس لنفسه بابتسامة خفيفة:

– يا ليت الشباب يعود يوما ....


فجأة، طرق الباب ودخل جاسم، ابنه البكر، بخطوات مترددة:

– السلام عليكم يا والدي.


ابتسم الشيخ عبدالله وقال بحرارة:

– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته… أهلاً وسهلاً بالمهندس جاسم! ما الذي أتى بك الآن، للسلام فقط أم هناك أمر آخر؟


لمح الشيخ تردد ابنه، فاقترب منه قائلاً بنبرة حانية:

– هل تريد الزواج؟


التفت جاسم ناحية أبيه مستغربًا:

– الوالد… كيف عرفت؟


ابتسم الشيخ وقال:

– الله يصلح بالكم يا شباب… ألم نكن نحن شبابًا مثلكم؟ كنا نقف أمام آبائنا عندما نريد الزواج. الآن قل لي، من تريد أن نخطب لك؟


تسارعت دقات قلب جاسم، وارتسمت على وجهه ابتسامة الفرح:

– أمل، بنت العم راشد.


قفز الشيخ عبدالله وكأنه صُدم:

– من…؟


أعاد جاسم بوضوح:

– أمل يا أبوي، بنت جارنا العم راشد، أخت الملازم عبدالله.


ارتجف قلب الشيخ، لكنه تمالك نفسه وقال بصوت يمزج بين الجد والفكاهة:

– تريد أن تتزوج بنت العجمية؟ أحفادي سيقولون كلامهم معوج… مستحيل أوافق! 


ثم أضاف وهو ينظر بعين الحكمة:

– شو صاير في البلد؟ ما في بنت إلا بنت راشد! مستحيل أوافق… مستحيل!


وقف جاسم صامتًا، يدرك أن الطريق ما زال طويلًا قبل أن تُعقد الأمور، لكن في داخله شعور متوهج بالفرح والأمل.


وفي تلك اللحظة، بدت له صورة أمل في ذهنه، ضحكتها المشرقة، حديثها الدافئ، وكأن المدينة كلها تشاركهما السرور. شعر أن قلبه يرفرف كالطائر، وأن الزغاريد التي لم تُطلَق بعد في البيوت والحواري تنتظرهم لتعلن بداية فصل جديد من الحب والفرح، فصل سيجمع بين العائلة والقلوب، مهما كانت العراقيل.

يتبع .....

تعليقات