بقلم : فايل المطاعني
المشائخ
الشيخ عبدالله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا شيخ علي.
الشيخ علي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، يا شيخ عبدالله. تفضل، اجلس.
الشيخ عبدالله: أطال الله عمرك، سأختصر الحديث احترامًا لوقتكم الثمين. أنتم في انشغالٍ دائم لخدمة الدين والعباد، جعل الله ذلك في ميزان حسناتكم.
هزَّ الشيخ علي رأسه مرتين، وأدار مسبحته المطرّزة بالأحجار الكريمة بأصابعٍ مترفة، ثم ألقى نظرة سريعة على ساعته الـ«رولكس» الفاخرة وقال ببرودٍ محسوب:
– جزاك الله خيرًا يا شيخ عبدالله، يعجبني فيك تقديرك للوقت وأدبك في الخطاب. والآن... ما الأمر؟ أوجز، فموعد بثّ برنامج الإفتاء قد اقترب، والمشاهدون بانتظارنا.
الشيخ عبدالله: نعم، أعانك الله وسدّد خطاك، أنت من أهل العلم والفضل.
الموضوع ببساطة: أحد الشباب الصالحين يرغب في الزواج، ويطلب مشورتك في أمرٍ يخص الخطبة القادمة...
فقاطعه الشيخ علي سريعًا وهو يعتدل في جلسته:
– يا شيخ عبدالله، سبق وذكرت في اجتماعنا الأخير أنّه لا يجوز جمع التبرعات للأفراد! نحن نوجّه التبرعات لدعم برامجنا في الخارج، خصوصًا في الفلبين، لتقوية روابط المحبة والإخاء الديني بين الشعوب.
ابتسم الشيخ عبدالله في ارتباك وقال:
– لا يا شيخ، هذا الشاب لا يطلب تبرعات، وإنما يطلب نصيحة ومشورة.
نظر الشيخ علي إلى ساعته مجددًا وكأنه يقول له بعينيه: اختصر، فالوقت أغلى من الحديث.
تابع الشيخ عبدالله قائلاً بعد أن بلع ريقه:
– يرغب الشاب أن تكون خطبة الجمعة القادمة عن الزواج بمن ترضون دينها وخلقها، بغضّ النظر عن الأصل والنسب.
رفع الشيخ علي حاجبيه وقال بنبرةٍ فيها ملل:
– يا شيخ عبدالله، أنت تعلم أن خطب الجمعة تصلنا مكتوبة جاهزة للإلقاء، فلماذا هذا العناء؟ ثم من قال إن أحدًا منعه من الزواج؟ فليتزوج، الله يهنيه!
الشيخ عبدالله: والدته ترفض، بحجة أنّ أم الفتاة ليست من بنات الدار، وتخشى أن يختلط النسل ويضيع "الأصل" كما تقول.
تنهد الشيخ علي، وهزّ رأسه مرتين قائلاً:
– لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! ألم تخبره أن الإسلام حرّم العصبية والعنصرية، وأنه لا فرق بين عربيٍّ ولا أعجمي إلا بالتقوى؟
الشيخ عبدالله: بلى، قلت له ذلك، ونصحته أن يذهب إلى أمه بلطفٍ ويقول لها كلمتين طيبتين، لعل الله يلين قلبها.
الشيخ علي: طيب، ومن أين والد الفتاة؟
الشيخ عبدالله بحماس: من أبناء الدار، ومن صُلبها وأصلها وفرعها!
الشيخ علي باستغراب: ماذا؟
الشيخ عبدالله مصححًا: أقصد من أهل البلدة، يا طويل العمر.
سكت الشيخ علي لحظة وهو يعبث بمسبحته، ثم قال:
– يا شيخ عبدالله، لا نريد أن نفتح بابًا يأتي منه الصداع. ليس من الحكمة أن نجعل المنابر منابر قضايا الناس الخاصة. لو بدأنا بهذا الباب، لأتانا كل من اختلف مع جاره أو غضب من زوجته يريد خطبةً على منبر الجمعة.
ثم أردف بنبرةٍ حاسمة:
– لا نريد أن نوقظ النائمين ونُظهر للعامة أن في مجتمعنا عنصرية أو تفرقة، فهذه أمور تُعالج في البيوت لا في المساجد.
ثم ابتسم بفتورٍ وأضاف:
– ستكون خطبة الجمعة القادمة عن الزكاة وأحكامها، فهذا أولى وأنفع. أما الشاب، فليتفاهم مع والدته، وليتزوج من يشاء، فربما الفتاة صغيرة وتريد الستر، والله يسهل أمورهم.
نهض الشيخ علي وهو يقول:
– تأخرت عن البث، والجماعة يتصلون بي منذ الصباح. في أمان الله يا شيخ عبدالله.
غادر وهو يهزّ رأسه قائلاً في نفسه:
– لا حول ولا قوة إلا بالله... يجعلون الزواج كأنه معركة في سبيل النسب!
خديجة
في الطابق الأول من الفيلا الفخمة التي شيّدها عادل ليزفّ إليها حبيبة قلبه أمل، جلست خديجة تحتسي شاي العصر.
كانت تتأمل انعكاس وجهها في مرآة صغيرة بين يديها، وفجأة وضعت الكوب جانبًا، وأخذت تمرّر أناملها على التجاعيد التي بدأت تزحف على ملامحها، وكأنها تلامس آثار السنين التي عبرت من غير رحمة.
انكمش وجهها حزنًا وهمست بصوتٍ متهدّج:
"أغرس يدك في يدي... وامنحني ابتسامة، فمعك أنت فقط... أتنفس الحياة يا حبيبي."
فتحت حقيبتها بارتجاف، وأخرجت صورة قديمة لرجلٍ وسيم الملامح، مهيب النظرات، ومسحت بيدها الغائرة على وجهه في الصورة، وقالت بنبرةٍ يغلفها القهر:
– أخذتك بنت العجم، واليوم يعود القدر ليعيد الحكاية نفسها...
ثم صاحت وهي تضرب بيدها على الطاولة:
– مستحيل! لن أسمح أن تأخذ بنتٌ غريبة ولدي كما أخذتني الأيام منك!
ظلّت تحدق في الصورة طويلاً، بينما تتسلل دمعةٌ وحيدة على خدها، تختلط برائحة الشاي البارد...
وتتمتم بصوتٍ متكسر:
– مستحيل... مستحيل...
يتبع...

تعليقات
إرسال تعليق