زهرة الراسبي: حين تتحول الخرائط إلى حكايات

حوار: فايل المطاعني "الحكواتي "


مقدمة المجلس

مساؤكم مشرق بالحكاية، ومفتوح على فضاءات الروح، حيث تصطف الكلمات كنجومٍ تهدي السامع بين الظلال والنور.

في هذا المجلس، نتوقف لنستمع إلى صوتٍ يربط بين الأرض والوجدان، بين الخرائط والسرد، بين المكان والإنسان… صوت زهرة سعيد الراسبي، الكاتبة والمعلمة، التي تعرف كيف تتحرك على خريطة العالم كما تتحرك بين خبايا النفس، وكيف تجعل من الحروف جسورًا تعبر بنا إلى العوالم الداخلية للمدن والذاكرة.

زهرة، التي رسمت في مجموعاتها القصصية (أشواك الورد) و*(يوميات بغدادي)* خريطةً للوجدان، واحتفت في روايتها الأخيرة دجلة بمدن فلسطين، تجمع بين الحس الجغرافي والدقة الإنسانية، فتكتب الخرائط كما تُروى الحكايات، والحكايات كما تُسافر الخرائط…

فلنستعد معًا لرحلة عبر السطور، حيث تتحول الخرائط إلى حكايات، وتفتح الكلمات أبوابها لكل قلب يرغب في أن يرى، أن يشعر، وأن يحلم

مساؤكم حكاية وأمل، مساؤكم ضوء ينبعث من بين السطور…

س1: زهرة، أنتِ معلمة جغرافيا وكاتبة في الوقت نفسه، كيف تتقاطع خريطة الأرض مع خريطة الحكاية في وجدانك؟

ج1: الجغرافيا بالنسبة لي ليست خرائط جامدة، بل حياة نابضة بالتفاصيل. كل مدينة تحمل حكاية، وكل تضاريس تهمس بسرٍّ ما، لذلك وجدت أن السرد هو الامتداد الطبيعي للجغرافيا… فالكتابة أيضًا رحلة على الخريطة، لكن نحو الداخل.


س2: متى أدركتِ أن الكتابة ليست هواية عابرة، بل قدر ومسار حياة؟

ج2: حين بدأت أجد نفسي بين السطور أكثر مما أجدها في الواقع، أدركت أن الكتابة ليست ملاذًا فحسب، بل هوية وروح لا تنطفئ.


س3: عنوان مجموعتك الأولى «أشواك الورد» يحمل ازدواجية بين الجمال والألم، ما فلسفتك وراء هذا العنوان؟

ج3: لأنني أؤمن أن الجمال الحقيقي لا يكتمل دون جراح، وأن الألم أحيانًا هو الثمن الطبيعي للعطر، فاخترت أن أجعل من الورد والأشواك معًا مرآة للحياة.


س4: أما مجموعتك «يوميات بغدادي»، فهي تنبض برائحة المدن، كيف استطعتِ أن تكتبي عن بغداد وأنتِ بعيدة عنها؟

ج4: لأن المسافة لا تُقاس بالكيلومترات، بل بالوجدان. كتبتُ عن بغداد التي سكنت القلب، لا التي في الخريطة، فحين أحببتها كتبتها كما لو أنني عشتُ بين أزقتها فعلًا.


س5: حصلتِ بهذه المجموعة على المركز الثالث في مبادرة جريدة الرؤية للشباب، كيف كان شعورك وقتها؟

ج5: كان ذلك بمثابة اعتراف جميل بجهدي، لكن الأجمل أنه منحني ثقة بأن صوتي ككاتبة يمكن أن يُسمع، وأن للحكاية طريقًا مهما كان وعِرًا.


س6: لننتقل إلى روايتك الأخيرة «دجلة»، ما الذي دفعك لكتابة رواية تتنقّل بين مدن فلسطين؟

ج6: كنتُ أبحث عن وطنٍ يشبه الحلم، وعن ذاكرةٍ تصمد رغم الاحتلال والخذلان. فلسطين كانت المسرح المثالي للحكاية، لأنها تختصر الصراع الإنساني بين البقاء والرحيل.


س7: ما رمزية اسم "دجلة" في الرواية؟

ج7: دجلة بالنسبة لي ليست نهرًا فحسب، بل رمز للذاكرة التي لا تجفّ، للعطاء الذي لا يتوقف، وللمرأة التي تنساب رغم العوائق وتحتفظ بصفائها.


س8: كيف استطعتِ أن توازني بين الدقة الجغرافية والجانب الإنساني في السرد؟

ج8: اعتمدت على أنسنة المكان، فكل مدينة تعاملتُ معها ككائن حيّ له نبض وصوت، فامتزج الجغرافيا بالعاطفة، وصار المكان بطلًا في الرواية.


س9: برأيك، ما هو دور الكاتب العُماني في زمن التحولات السريعة؟

ج9: دوره أن يكون ذاكرة وطنه، أن يكتب لا ليواكب الحدث فحسب، بل ليمنحه بعدًا إنسانيًا خالدًا. الكاتب هو من يضع البصمة حين تتشابه الأصوات.


س10: هل القصة القصيرة ما زالت قادرة على المنافسة أمام الرواية الطويلة؟

ج10: نعم، القصة القصيرة هي ومضة، لكنها قادرة على إشعال وعيٍ كامل. قد تخسر مساحة، لكنها تربح الكثافة والدهشة، وهذا ما يجعلها حية رغم الزمن.


س11: متى تشعر زهرة بالسلام الحقيقي؟

ج11: عندما أكتب في هدوء الفجر، ويكون العالم نائمًا، والورق فقط هو من يصغي لي دون حُكم أو سؤال.


س12: لو اختصرتِ حياتكِ في جملة واحدة، ماذا تقولين؟

ج12: أنا زهرةٌ تنبت في أرضٍ قاسية، لكنها لا تنسى أن تُزهِر.


ختام المجلس


زهرة الراسبي، شكراً لكِ على هذه الرحلة الساحرة، على سردك العذب، وعلى الخريطة التي رسمتها لنا بين السطور.

أيها الحضور الكريم، شكراً لأنكم كنتم شركاءً في هذه الرحلة، مستمعين بانتباه ودفء للقصص، وللكلمات التي جعلت من مجلسنا هذا مكانًا للخيال والحقيقة معًا.


مجلس الحكواتي يختتم جلسته اليوم، لكنه يفتح دائمًا أبواب الحكاية لكل من يريد أن يسمع، أن يشعر، وأن يحلم.


تعليقات