"حين اخترت أن أكون نفسي"

بقلم: حسين الشرقي 


تأكدتُ — وربما منذ زمن بعيد — أنني مختلف.

ولستُ مختلفًا لأني أردت أن أكون عنوانًا للفرادة، أو لافتةً للغرابة، بل لأني لم أستطع أن أكون سطرًا إضافيًا في كتابٍ مكتظّ بالسطور المتشابهة.


أنا المختلف… الذي يرى ما لا يراه الناس، ويسمع بين الضجيج نغمةً خفيّة لا يدركها أحد.

الذي يعثر على الحياة في فنجان قهوة داكنة على طاولة خشبية قديمة، أكثر مما يعثر عليها في ألف قاعة مضاءة بالأنوار.

الذي يتنفس ببطء وسط الركام، ليبقى قلبه حيًّا، لا آلةً تدور في إيقاع الآخرين.


مختلف… لأنني أجد في الصمت كلامًا أصدق من الكلمات، وأجد في الوحدة أنسًا لا تمنحه الجموع.

أكتب لأحفظ نفسي من التبعثر، وأتأمل لأفتش عن سرّ وجودي، وأتعبّد في تفاصيل صغيرة يراها غيري عابرة: ضحكة طفل في شارعٍ غافل، ظلّ غيمةٍ يلامس وجه البحر، أغنية قديمة تتردّد في مقهى شعبي، ورائحة خبز خرج لتوّه من فرنٍ متواضع.


أنا مختلف… لأنني لا أحتمل الأقنعة، ولأنني أفضّل وجوهًا شاحبة صادقة على وجوهٍ براقة مزيّفة.

أمشي في الحياة كمن يعبر حقل ألغام، لا أخشى الانفجار بقدر ما أخشى أن أفقد قلبي.

أُخطئ كثيرًا، وأتعثّر كثيرًا، لكنني أعود دائمًا إلى نفسي، إلى تلك النواة التي لا يراها أحد سواي.


أنا المختلف… الذي يؤمن أن الحب ليس مجرّد نزوة، بل صلاة طويلة تُقام في محراب الروح.

الذي يؤمن أن الحزن ليس لعنة، بل نافذة مفتوحة على معنى أبعد من الفرح.

الذي يرى أن الجمال لا يُختصر في وجهٍ أو جسد، بل في نظرةٍ صافية، أو كلمةٍ خرجت من قلبٍ جريح، أو في يدٍ تمتدّ إليك حين تظن أنك وحيد.


أنا المختلف… لا أُشبه أحدًا، ولا أريد أن أشبه أحد.

أحتفظ بوجعي لنفسي، وأبتسم لأنني أدرك أن الوجع علّمني ما لم تعلّمه لي الجامعات.

أجلس على هامش الحياة أحيانًا، لكن الهامش بالنسبة لي أكثر رحابة من أي مركز ضيّق.


سلامٌ عليّ حين أقاوم أن أتحوّل إلى نسخةٍ باهتة.

سلامٌ عليّ حين أحفظ لنفسي حقّ أن أكون كما أنا، ولو كلّفني ذلك عزلةً أو غربة.

سلامٌ عليّ حين أكتب، وحين أبكي، وحين أضحك بصدق.

سلامٌ عليّ لأنني عرفت أن الاختلاف ليس عيبًا، بل طريقٌ طويل نحو الحقّ، نحو العمق، نحو المعنى.


ولأنني مختلف، أعيش بيني وبيني، أُحاور نفسي أكثر مما أحاور الناس، وأجد أن أصدق الحوارات هي تلك التي لا يسمعها أحد.

فلتكن غربتي دليلي، وليكن اختلافي هويتي، وليكن صدقي أمانتي الأخيرة.


أنا المختلف… ولست أبحث عن اعتراف، ولا عن تصفيق.

يكفيني أنني حين أضع رأسي على وسادتي، أعلم أنني لم أخُن نفسي.

تعليقات