نافذة على الجهات الأربع… أنتِ

بقلم: حسين الشرقي 


كأنكِ نافذةٌ مفتوحة على الجهات الأربع

كلّما أغمضتُ عينيَّ

تهادى وجهُكِ في العتمة

كما يتهدَّل قنديلٌ فوق منبرِ القصيدة.


لم أجد لغةً أوسع من صمتكِ

ولا وطناً أرحب من ارتجافة يديكِ

حين أضعُ قلبي بين أصابعكِ المرتبكة

كأنكِ تمسكين جمرةً خائفةً أن تُطفئيها

أو وردةً خائفةً أن تذبلَ إن تُركت وحدَها.


كلّ ما قرأتُه عن الحبّ

يتضاءل أمام رعشةٍ صغيرةٍ في صوتكِ

حين تنادين اسمي

اسمٌ كنتُ أظنّه عادياً

حتى خرج من فمكِ

فصار صلاةً

ومجرّةً

وطريقاً إلى غيمةٍ تمطرُني وحدي.


أحبكِ

لكن ليس كما يقولون في الأغاني،

ولا كما تكتبُ الصحفُ في زواياها الطريّة.

أحبكِ كما يخطّ الحبرُ أسرارَه على جدارٍ مهجور

كما تنحني السنابلُ للريح ثم تعود أكثر خضرة

كما يذوبُ الثلجُ في جبال بعيدة

ليُروِي ظمأ المدن الغريبة.


كلُّ مساءٍ أعلّقكِ في سقف غرفتي

مثل قمرٍ يدور حول جسدي

ثم أنامُ على هدبكِ

كطفلٍ يتيماً وجد صدر أمّه

بعد بكاءٍ طويل.


إنني لا أكتب عنكِ

بل أكتبكِ أنتِ:

تفاصيلكِ، أنفاسكِ، خطاكِ على الأرصفة

ضحكتكِ التي تشرّعُ أبوابَ النهار

دمعتكِ التي تجعل الليلَ يتعثَّرُ في خطاه.


كلُّ كلمةٍ في معجمي تفقد معناها إن لم تمرّ بوجهكِ

كلُّ طريقٍ في مدينتي لا يؤدي بي إلّا إلى عينيكِ

وكلُّ حلمٍ يزوره السهد في ليلي

يفتحُ نافذته ليطلّ عليكِ.


أحاول أن أكتب نصّاً بلا اسمكِ

فأجد الحروف تتكسّر

والجمل تسقط كطيورٍ مذعورة

حتى أعود إليكِ

كمن يعود إلى ماءٍ يعرف أن لا حياة بعده.


أنا لا أحبكِ فقط

أنا أؤمن بكِ:

بأنكِ آيةٌ صغيرة تُتلى على جمرٍ عاطفيّ

أنكِ وطنٌ أضاع خرائطه العالم

فوجدتُه صدفةً في عينيكِ.


وحين يشيخ وجهي

وتذبل أصابعي

وتتثاقل خطواتي

سيبقى في داخلي صبيّ

يمسك جدائلَ ضحكتكِ

كأنها حبله السرّي

ويصرخ باسمكِ

كما يصرخ الغريق باسم الشاطئ.


فلا تسألي:

هل ما زلتُ أحبكِ؟

لأنني، في كل مرّةٍ أجرّبُ أن أنساكِ

أكتشف أن قلبي

لا يعرفُ سوى هجاءٍ واحد:

اسمكِ

اسمكِ الذي صار وطناً

وصلاةً

وحياةً ثانيةً أعيشها كلّما نطقتُه.

تعليقات