بقلم : حسين الشرقي
الإهداء:
إلى من ورّثوني الألم دون أن يدروا...
فجعلوني أكتب.
وإلى كل ابنٍ لم يُخبره أبوه يومًا أنه فخور به،
وكل قلبٍ عاش نصفه مكسورًا، والنصف الآخر صامتًا...
إلى القارئ الذي ظنّ نفسه وحيدًا وسط العائلة...
هذه روايتك.
المقدمة:
ليست هذه حكاية عن الميراث كما يبدو في ظاهرها…
بل عما نرثه دون أن نعلم، من ملامح وندوب وصمت طويل.
عن الأبناء الذين يفتّشون بين ركام الذكريات عن إجابة واحدة:
لماذا أحبّ غيري أكثر؟ ولماذا تأخّرت محبتك إليّ؟
هذه رواية عن الخذلان الذي يتوارثه الناس كما يورّثون البيوت،
وعن صراع الأخوة حين يصبح الدمّ قيدًا، والاسم ساحة حرب.
لكنها أيضًا رواية عن الشفاء...
عن فنانٍ يُرمّم جدار قلبه بريشة، وعن امرأة تشعل في داخله ضوءًا لم يعرفه من قبل.
عن أمٍّ لا ترث إلا الصبر، ومع ذلك كانت أغنى الجميع.
"ظلّ الوريث" ليست نهاية حكاية، بل بداية بحث...
عن الإرث الذي لا يُكتب في الوصايا،
عمن نحن حين نتعرّى من كل ما قيل لنا إننا نملكه.
دخل " عبد الله " المنزل، وهو مرهق تكسو وجهه علامات التعب أغلق باب المنزل خلفه ومضى يتجول في فنائه، وطرف عصاه ينغرز في الأرض كلما خطى خطوة، فرقى سلم المنزل وطرف عصاه تبعث طرقات متتابعة، وعند طرف السلم أخذت " سالمة " في يدها كوب ماء بارد أعطته زوجها " عبدالله " بكل ود ومحبة.
في الغرفة تخلص من عصاه، خلع ملابسه هرع إلى الكنبة ماداً ساقية إلى الأمام، وأغمض عينية وهو يجفف بالمنديل وجهه، وفي ذات الوقت كانت زوجته تضع العشاء في صالة الطعام دخلت عليه الغرفة توقفت قليلاً تترقب قيامه حتى تساعده في ارتداء ملابسة، وهي تنظر إليه باهتمام تود لو تكون لديها الشجاعة الكافية أن تقول له يكفيك تعب وسهر حان دور أبنائك أن يتحملوا ما تبقى من مسيرتك الحافلة بالإنجازات لكنها لم تعلم كيف تفصح عن أفكارها غلبها الابتسام وهي تنظر إليه حيث تذكرت كل تلك الليالي المليئة بالحب والسعادة التي قضتها معه طوال حياتها ثم تنبهت لأمرٍ قاله لها: لا تنسي يا " يا سالمة " أبدًا بأنكِ السراج الذي ينير عتمة البيت.
- هل هناك شيئاً ما يقلق راحتك؟
- لا تقلقي فأنا بخير.
ثم نهض وكأنه يقاوم شيئاً ثقيلاً أتجه إليها قائلاً: لا أخفيكِ شيئاً فأنا تائه، خائف، مثقل بالكثير من الأشياء التي تؤرقني في الأيام الأخيرة فقد رأيت أبنائي بأنهم على غير وفاق، وأيضًا قد ضايقني أمراً من صديق طفولتي كيف جعلني أعتذر منه أمام الناس شعرت حينها بالذل.
- لا تقلق فهو سيدرك خطأه ويأتيكَ معتذراً، وبالنسبة لأبنائك لا تقلق فهذا يحدث في كل الأسر.
- لا عليكِ دعينا نتناول عشاءنا الآن.
وبعد أن تناول وجبة العشاء نهض وكأنه يقاوم شيئاً ما قد تمكن من جسده وأتجه إلى غرفته ثم أستلقى على سريره محدثاً نفسه أني الآن على خير حال ويجب أن أهنأ بنومٍ بعد تعب ولينعم عليّ ربي بحياة يغبطني عليها كل من حولي.
جلست " سالمة " على كرسي بجوار السرير واضعه يديها على جبين زوجها فابتسم قائلاً لها: لا تقلقي فأنا بأفضل حال يجب عليكِ أن تنامي الآن فغداً لدينا الكثير من العمل حتى نقوم به.
كانت كثيرة الأشياء التي كانت ترهق " سالمة " فما أقسى الجسد عندما يصبح مبعث للأرق وأول تلك الأشياء زوجها المتعب والموقف الذي حدث معه لا تعلم كيف تهرب من هذا الخوف بدأت تمسك تتحسس قلبها كطفلة تفتش ما بصندوقها من لعب وتطمئن عليها، تذكرت ابنها الكبير " يوسف " الذي لم يكن اجتماعيًا، ولم يعشق زحام الناس وتجمعاتهم، يفضل العزلة كثيراً ولكن إن دعي لجمع لبى النداء، يجلس صامتاً أغلب الوقت ولكن ليس عابساً، لا يحب منافسات الحديث وعلو الصوت ومحاولة فرضه على من حوله، لا يدخل في جدال مع أحد يكتفي بابتسامة أو تعليق بسيط، هدوءه يحترمه الجميع ويحسبه الجاهل تعالي على الأخرين، لا يتطفل ولا يتدخل في شؤون الأخرين، لم تكن له تجارب عاطفية ولا علاقات مشبوهة لم يكن انطوائياً بمعنى الكلمة إنما انطواءه كان مع فرد واحد يشبهه، فهو يؤمن بحتمية الصديق الواحد والحبيب الواحد الذي يمثل له كل الكون مختزلاً في كيان واحد يصاحبه .
دخلت عليه الغرفة وجدته ممسكاً كوباً من الشاي ويتحدث مع نفسه، قالت له وقد شاعت من وجهها ابتسامة ماذا بك يا بني؟ لماذا تتحدث مع نفسك؟ ولماذا لازلت منطوياً على نفسك ما حدث في الماضي قد حدث يجب عليك أن تنسى؟
_ لا أهتم لما حدث في الماضي يا أمي وإنما كل تفكيري هو معاملة والدي السيئة لي كيف له أن يحب أخي أكثر مني يمنحه كل ما يحتاج له وأنا لا؟
_ فكر ملياً يا بني أعتمد على نفسك وأخلق من نفسك شخصاً يستطيع والدك الاعتماد عليه.
_ كيف أستطيع ولا يوجد لدي رأس مال أستطيع من خلاله أن أبدأ به أي مشروع.
_ فكر بالمشروع أولاً وأترك الباقي لي.
_ حسناً أمي.
_ سوف أغادر الأن وأقول لك مجدداً أترك كل ما مضى خلفك وأبدأ بالتفكير في مشروع يناسبك وأنا سوف أدعمك بقدر ما أستطيع. عندما غادرت "سالمة" غرفة ابنها "يوسف"، شعرت بقلق يتسلل إلى قلبها. كانت تعرف أن يوسف يعاني من بعض الانزواء والتوتر العاطفي، وكانت ترغب في مساعدته على التغلب على تلك الصعوبات. قررت أن تبحث عن طرق لتشجيعه وتعزيز ثقته بنفسه.

تعليقات
إرسال تعليق