حارس المقبرة..​الفصل الأول: السرّ المجهول

 بقلم: ناصر بن محمد الحارثي 

​في مدينةٍ نائيةٍ، عاشَ منذُ زمنٍ بعيدٍ شيخٌ عُرِفَ بحكمتِهِ وصبرِهِ، وكانَ الناسُ يقصدونَهُ من كلِّ مكانٍ للاستماعِ إليهِ والأخذِ بمشورتِهِ. كانَ هذا الشيخُ أبو عادل، حارسَ المقبرةِ العامةِ. ومعَ ذلكَ، كانَ ثريًا ولديهِ أبناءٌ يعيشونَ في رغدٍ وهناءٍ. كانَ الناسُ يتساءلونَ عن مصدرِ ثرائِهِ، فالجميعُ يعلمُ أنَّ معاشَ حارسِ المقبرةِ ليسَ بالكثير.

​هنا تبدأُ قصتُنا معَ عادل، الابنِ الأكبرِ الذي تخرجَ من الجامعةِ ولم يجدْ عملاً. ناداهُ والدهُ يوماً، فأجلسَهُ بجانبهِ وقالَ: "يا بنيَّ، تعلّمْ مني علَّكَ ترثُ مكاني في هذهِ الوظيفةِ".

​تردّدَ عادلٌ وقالَ بدهشةٍ: "بعدَ سنينَ من دراسةِ الجامعةِ، تريدُني أن أعملَ في المقابرِ؟!"

​ردَّ عليهِ والدهُ مبتسماً: "نعم يا بنيّ. طوالَ هذهِ السنينِ، من كانَ يدفعُ تكاليفَ دراستِكَ أنتَ وإخوتكَ؟ من الذي يتكفّلُ بجميعِ حاجاتكم؟" أجابَ عادل: "أنتَ يا والدي". فقالَ الأب: "إذاً، لِمَ لا تكملُ المسيرَ عنّي؟ لقدْ بلغتُ من الكبرِ عتياً، وعمّا قريبٍ سألقى ربّي. وكما تعلمُ، لا أحدَ يريدُ أن يعملَ حارساً للقبورِ؛ لأنهُ عملٌ شاقٌّ ومخيف. لكنْ أنا، يا ولدي، تمكّنتُ من أن أعملَ هنا لأكثرَ من ثلاثينَ عاماً دونَ خوفٍ أو قلق. ومنْ هنا، استطعتُ أن أُؤمِّنَ لكمْ حياةً كريمة. فإنْ وافقتَ، علّمتُكَ سرّي، سرَّ السعادةِ والثراءِ!".

​كانَ عادلٌ يستمعُ إلى والدهِ بشغفٍ وعيناهُ تحدّقانِ فيهِ. شعرَ بقشعريرةٍ باردةٍ تجتاحُ جسدَهُ وهوَ يتخيّلُ والدهُ يتحدّثُ عن أهلِ المقابرِ كما لو كانوا أصدقاءَهُ المقرّبين. لكنَّ الفضولَ كانَ أكبرَ من الخوف، ففي هذا السرِّ يكمنُ مصدرُ المالِ الوفيرِ الذي حارَ فيهِ الجميعُ طوالَ هذهِ السنين.

​وقفَ عادلٌ وقالَ بحماسٍ: "أنا موافقٌ يا والدي! فلنتوكّلْ على الله".

​هنا قالَ الشيخُ بهدوءٍ: "إذاً، تعالَ معي إلى المقبرةِ، لأُعرفّكَ على أصدقائي الذينَ يثقونَ بي ويمنحونني ما لا يمكنُ أن يمنحَهُ الأحياء...".

تعليقات