"مسجون في الغربة" 

بقلم: ناصر بن محمد الحارثي 

​انا المواطن سعيد. لم أكن أعرِف معنى الشقاء يوماً. كنتُ أستيقظ على رائحة القهوة، وأرتدي بذلتي الأنيقة، وأذهب إلى مكتبي الذي كنت أراه حصناً منيعاً لي من فوضى العالم. كانت الكرامة تسير معي في جميع خطواتي، والسعادة كانت تملأ جيوبي في نهاية كل شهر. لم أكن أظن أن هذا الحصن سيتحول يوما إلى سجن وكابوس مظلم، وأن جيوبي لن تمتلئ إلا بالهواء والشقاء.

​جاء اليوم الذي أخبروني فيه بأنهم لم يعودوا بحاجة إلي. لم يخبروني لماذا، لم يقولوا إلا كلمة واحدة: "شكراً لك". في تلك اللحظة، شعرت بأن روحي تخرج من جسدي. صارت الأبواب تغلق في وجهي. أصبحتُ أهيم في الزقاق، وصار رصيفه وسادتي الباردة. تحولت علبة القمامة إلى مطبخي، والمسجد هو محطتي اليومية التي أمد فيها يدي لمن كان يوماً أقل مني شأناً.

​أما أعدائي، فقد خرجوا من الأوراق. صارت فاتورة الكهرباء تلاحقني كشبح أسود، وإيجار المنزل يصرخ في وجهي كل ليلة، وقسط البنك يصرخ قائلاً: "أنت مجرم!". حاولتُ أن أبيع ممتلكاتي في الطرقات لأنجو، ولكن هيهات، فحُمات هذا الوطن كانوا أسرع مني. وضعوا الأصفاد والأغلال في يدي أمام جموع الناس.

​صرختُ في وجوههم: "هل أنا مجرم؟!" لأني لم أسرق؟ لأني لم أرتشِ؟ لأني لم أؤذِ أحداً؟ جرمي الوحيد أني وثقت بكم، وبأن المستقبل المشرق الذي وعدتموني به حقيقة.

​مرحباً بالسجن! هنا أجد الأمان والسعادة. هنا لن أدفع إيجاراً، ولا فاتورة ماء أو كهرباء، ولن أخاف من الجوع. شكراً لكم، أيها المسرَّحون من العمل، أقبلوا يا باحثين عن الأمل، يا من ضاقت به الحياة، تعالوا إلى هذا القفص. إنها الحرية الحقيقية عندما لا تكون مجرماً في حق السعادة.

تعليقات