التسول بين الإحتياج والاحتيال

بقلم: خليفة سالم الغافري


يُعد التسول ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الإنسان نفسه، إذ يلجأ البعض إلى مدّ أيديهم طلبًا للمعونة بسبب عجز أو فقر أو ظروف قاهرة. غير أنّ هذه الظاهرة مع مرور الوقت اتسعت، حتى صارت مهنة يتقنها بعض المحتالين، يقتنصون بها عواطف الناس ويستنزفون أموالهم، فيفسدون بذلك صورة المحتاج الصادق، ويزرعون الشك في قلوب الناس تجاه كل من يمدّ يده.

أحيانًا يقف أمامك متسول بملامح باكية ويدّعي المرض أو الجوع، فيدفعك الشك للتردد: أهو صادق أم محتال؟ وقد يحملك الخوف من الخديعة على أن ترده خالي الوفاض، بينما ربما كان في أمسّ الحاجة إلى لقمة أو دواء. وهنا تتجلى المأساة الحقيقية: المحتاج الحقيقي يضيع بين جموع المحتالين.

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي اشتدت هذه الظاهرة أكثر، إذ لم تعد تقتصر على الطرقات أو أبواب المساجد، بل غزت الشاشات والرسائل الخاصة، فلا تعلم من المحتاج ومن الذي اتخذها مهنة. وحتى لو قلت في نفسك: "أعطي لوجه الله"، فقد تسير المساعدة في مسار يشكّل خطورة عليك، إذ ربما تذهب إلى عصابات أو منظمات خبيثة تستغل طيبة الناس وحسن نياتهم.

إن خطورة التسول لا تكمن فقط في ممارسته الخاطئة، بل في تشويهها لمعنى العطاء والتكافل. فالمجتمع الذي يُخدَع كثيرًا يفقد ثقته في فعل الخير، ويغدو الإحسان مرهونًا بالشكوك. وبدل أن تُزرع قيم الرحمة والمساعدة، تُنبت في النفوس بذور الريبة والجفاء. ومن هنا فإن التسول في صورته البريئة استغاثة إنسانية تستحق العون-مع أننا لا نشجع عليها ابدا-، لكن حين يتحول إلى مهنة احتيالية فإنه يسيء إلى المحتاج ويعطل مسارات الخير. والحل لا يكون في قسوة القلب وردّ الجميع، ولا في فتح الأبواب بلا تمييز، بل في تنظيم العمل الخيري وتوجيهه عبر القنوات الموثوقة كالجمعيات والمؤسسات والمبادرات المجتمعية، حتى يصل العطاء إلى مستحقيه بكرامة وشفافية، فلا يُظلم المحتاج ولا يُكافأ المحتال.



تعليقات