الطابور المدرسي وعلاقته بالهوية الوطنية

بقلم : طاهرة الشامسية 

يُعد الطابور المدرسي من أبرز الأنشطة اليومية التي يمارسها الطلبة في مدارسهم، وهو تقليد تربوي وتربوي بامتياز، يحمل في مظهره البسيط معاني عميقة تتجاوز مجرد الوقوف والإنصات. فالطابور المدرسي ليس مجرد تجمع صباحي يبدأ به الطلاب يومهم الدراسي، بل هو مساحة تُزرع فيها قيم الانتماء، ويتشكل فيها وعي الناشئة تجاه هويتهم الوطنية.


منذ اللحظة التي يُرفع فيها العلم الوطني وتُردد الأناشيد الوطنية، يتجسد معنى الانتماء للوطن في قلوب الطلبة، ويشعرون أن وجودهم في هذا الطابور ليس إلا رمزًا للتماسك والوحدة. فهو مشهد جماعي يذكّرهم بأنهم أبناء وطن واحد، يربطهم رابط الهوية والانتماء، وأنهم جميعًا جنود في ميدان العلم قبل أن يكونوا جنودًا في ميادين أخرى.


الطابور المدرسي يعلّم الطلبة النظام والانضباط، ويغرس في نفوسهم قيمة احترام الوقت والالتزام بالقوانين، وهي قيم جوهرية لبناء المواطن الصالح. كما أنه مساحة لتجسيد روح الفريق الواحد، حيث يقف الجميع في صفوف متراصة، بلا تفرقة أو تمييز، وكأنهم لوحة بشرية تنطق بالمساواة والعدل.


ومن الناحية التربوية، فإن الفقرات التي تتخلل الطابور الصباحي – كالإذاعة المدرسية، وتلاوة القرآن الكريم، وترديد الأناشيد الوطنية – تشكّل مزيجًا من المعرفة والوعي، حيث يتعرف الطلبة على تاريخ وطنهم وقيمه ومبادئه، ويتعلمون كيف يكونون سفراء لهويتهم أينما كانوا.


كما أن رفع العلم يوميًا أمام أعين الطلاب يعمّق فيهم الشعور بالاعتزاز والوفاء، ويغرس فيهم معنى التضحية والفداء. فتلك اللحظة التي تتجه فيها الأنظار إلى الراية الوطنية، هي بمثابة تذكير مستمر بأن لهذا الوطن حقًا عليهم، وأن الحفاظ على هويته مسؤولية مشتركة.


ولا يمكن إغفال الدور النفسي والاجتماعي للطابور المدرسي؛ فهو يخلق حالة من الألفة بين الطلبة، ويجعلهم أكثر قربًا من مجتمعهم المدرسي، كما يعلّمهم فن الإصغاء والتفاعل مع الآخرين. بل إن مجرد المشاركة في هذا الطقس اليومي تزرع فيهم قيمة المشاركة الجماعية، التي تُعدّ ركيزة أساسية من ركائز الهوية الوطنية.


إن الهوية الوطنية ليست شعارات تُكتب في الكتب أو دروسًا تُلقن في الصفوف، بل هي ممارسة عملية، يعيشها الفرد يوميًا في تفاصيل حياته. والطابور المدرسي أحد تلك التفاصيل التي قد تبدو بسيطة لكنها في الحقيقة عميقة التأثير. فهو يربط الناشئة بتاريخهم وحاضرهم، ويُشعرهم بأنهم امتداد لأجيال مضت، ومسؤولون عن أجيال قادمة. 


ومن هنا يمكن القول إن الطابور المدرسي يشكّل مدرسة مصغّرة للوطن، يجتمع فيها الطلبة على كلمة واحدة، ويعيشون لحظة انتماء جماعية تعكس صورة وطنية خالدة. إنه فعل يومي يعزز القيم الوطنية، ويصقل شخصية الطالب، ويربطه بتراثه وثقافته، ليشبّ وهو واعٍ أن الهوية الوطنية ليست مجرد انتماء مكاني، بل هي سلوك وقيم وعطاء مستمر.



tahra.alshamsi74@gmail.com

تعليقات