بقلم: حسين الشرقي
أكتبكِ كما يُكتبُ الليلُ على وجهِ المدن
وأشهدكِ كما يشهدُ البحرُ غرقاه
أنتِ لستِ امرأةً عادية
أنتِ طقسٌ أسود يُغرق روحي بالمطر
ولا يترك لي غير البللِ والرعشةِ والارتجاف.
أكتبكِ كقصيدةٍ تتنزّل من حنجرة جريح
كطُهرٍ مُلطَّخٍ بالأمنيات المحرمة
كطفلٍ يلهو بنارٍ عرف أنّها ستحرقه
لكنه تُحرقه يصرّ على اللعب حتى آخر لهفة.
أُحبّكِ بطريقةٍ تجعلُ كلَّ العواصمِ تبدو قبورًا،
وكلَّ الأوطانِ منفىً صغيرًا،
وكلَّ الشوارعِ سجونًا بلا جدران،
أُحبّكِ حتى يغدوَ قلبي أرضًا سبخةً
لا يُثمر فيها غيرُ الدمع والخيبات.
أنتِ لستِ في حياتي،
أنتِ حياتي،
أنتِ الفخّ الذي وقعتُ فيه بإرادتي،
والقيودُ التي نسجتُها بيديَّ
ثم نسيتُ المفتاحَ في صدركِ.
كلما ابتعدتِ صرتُ رمادًا،
وكلما اقتربتِ صرتُ حريقًا،
أنا بينكِ معلّقٌ كعصفورٍ
أُصوِّرُ جناحيه كلَّ صباح
وأنا أعلمُ أنّي لن أُحلِّقَ بعدُ أبدًا.
أشتاقكِ حتى أذوبَ من فرطِ الشوق،
وأكرهكِ حتى أُدمنَ الكراهية،
أنتِ سُمّي الذي لا أستطيعُ التخلّصَ منه،
وأنتِ الدواءُ الذي يقتلني ببطءٍ
ويُبقيني حيًّا كي أتألم.
كلُّ ليلٍ لا يحملُ صورتكِ
ليلٌ ناقص،
وكلُّ صباحٍ بلا اسمكِ
صباحٌ أعمى،
وكلُّ كلمةٍ بلا ظلّكِ
كلمةٌ يتيمة.
أكتبكِ كي أراكِ في الحروف،
وأتنفّسكِ بين السطور،
وأُعيد ترتيبَ روحي حولكِ
كما يُعيدُ النجمُ ترتيبَ ضوءه حول القمر.
أنتِ لستِ امرأةً في قلبي،
أنتِ زلزالٌ في عروقي،
أنتِ لعنةٌ حلوةٌ
أُقبِّلها كلَّ ليلة
وأستيقظُ وفي فمي طعمُ الرماد.
حتى الغيابُ معكِ يختلف،
يصيرُ حضنًا شفافًا يُطوِّقني،
حتى الحضورُ معكِ يُصبحُ غيابًا
يتركني أمامَ نفسي
كمن ينظرُ في مرآةٍ مكسورة
ولا يعرفُ أيَّ وجهٍ هو له.
أحبّكِ كالعاشقِ الأخير في هذا العالم،
أحبّكِ كالأعمى الذي يثقُ بطَريقٍ من نار،
أحبّكِ كالسجينِ الذي يَهوى قضبانَهُ
لأنّها الشيءُ الوحيدُ الذي يعرفهُ من العالم.
أكتبكِ الآن
وأنا أعرف أنّي لن أشفى منكِ،
أكتبكِ لأبقى فيكِ أكثر،
وأغرقُ فيكِ أكثر،
وأحترقُ فيكِ أكثر،
حتى إذا لم يتبقَّ مني غيرُ هباءٍ
كنتِ أنتِ رمادي الأخير.

تعليقات
إرسال تعليق