"فوضى هندسية في دفتر يومي"

بقلم :حسين الشرقي


أبدأ يومي كعادتي،

أجمع أنفاسي من تحت الغطاء،

أزيح عن صدري بقايا الأحلام الثقيلة،

وأطوي التعب كما يُطوى الورق بعد مسألةٍ انتهى حلّها.

أحاول أن أرتّب يومي كما يرتّب العقل معادلاته فوق السبورة،

سطرًا بعد سطر، خطًا بعد خط،

لكل لحظةٍ قانون، ولكل خيار معادلة،

وكل تفصيلة مجهولٌ ينتظر أن أستنبط نتيجته.


القهوة هي قوسي الأول،

هي الفكرة التي تُطلق سهم النهار من وتره،

أرتشفها كمن يبحث عن زاوية انطلاقٍ مناسبة،

فلا أبدأ دونها،

ولا أستقيم إن اختلّت نسبتها،

إنها أشبه بالثابت الوحيد في يومٍ تكثر فيه المتغيّرات.


أتنقّل بين المهام كمن يتنقّل بين احتمالات،

أفتح بابًا وأغلق آخر،

أختبر فرضيةً وأهدم أخرى،

وأمضي بخطى محسوبة،

كمن يسير على شبكة من الأرقام لا تحتمل الخطأ،

أحسب الزمن، أوزّع الجهد،

أكسر الروتين بلمسة ضربٍ خفيفة،

ثم أعود لأنقسم على نفسي،

بين ما يجب أن يُنجز،

وما يرغب القلب في التهام لحظاته.


كل شيء عندي مرسوم بخريطة،

لكن داخلي فوضى هندسية،

زوايا لا تتساوى،

وأشكال لا تكتمل،

ونقاط تتناثر دون أن يجمعها خط مستقيم.

ثمة فراغات لا تُملأ،

وثمة أقواس مفتوحة تنتظر تكملةً لا تأتي،

كأنني مشروع معادلة لم تُكتب جميع خطواتها بعد.


ومع هذا، أواصل.

أمدّ قلمي على بياض اليوم،

أجرّب، أخطئ، وأعيد الحساب،

أتعلّم أن بعض الحلول لا تأتي بالبرهان المباشر،

بل بالتجربة والصبر،

وبأن بعض الأجوبة لا تحتاج إلى منطق صارم،

بل إلى لمسة حدس أو نبضة قلب.


أكمل يومي كمعادلة طويلة،

لا أخشى التعرجات،

ولا أهاب علامات الاستفهام المتناثرة في الهوامش.

أترك لنفسي مساحات من فراغ،

أجعلها قابلة للإضافة أو للتغيير،

كأنني أقول للعالم: لست معادلةً مغلقة بعد،

أنا سطر مفتوح على احتمالات لا تنتهي.


وفي آخر اليوم،

حين أضع نقطة النهاية مؤقتًا،

أكتب في الهامش بخطٍ صغير:

"الحل ليس الآن… لكنه ممكن،

وسيأتي حين يكتمل البرهان."

تعليقات