الخاطرة ليست سيرةً خفيّة

بقلم : خليفة سالم الغافري

حين يكتب الكاتب خاطرةً أو مقالًا وجدانيًا، لا يعني ذلك بالضرورة أنه يكشف جانبًا من حياته أو يبوح بسرٍ دفين. فالكتابة، خاصة في مساحاتها الشعورية، ليست اعترافًا بقدر ما هي ممارسة للتخيّل، ومحاولة لملامسة الإنسان في أعمق حالاته.

كثيرون يربطون بين النصوص وكاتبيها، فيظنون أن من يكتب عن الحزن لا بد أنه حزين، ومن يصف المرض لا بد أنه يتألم، ومن يكتب عن الحب لا بد أنه واقع فيه. هذا الربط قد يبدو طبيعيًا في ظاهره، لكنه يجور على الكاتب ويضيّق من أفق قراءتنا للنص.

الكاتب يملك خيالًا رحبًا، يستطيع من خلاله أن يتقمّص المشاعر، ويغوص في عوالم لا تمتّ لتجربته الشخصية بصلة. قد يستوحي من مشهد عابر، أو من كلمة سمعها، أو من نظرة في عيون غريب. وقد يكتب عن وجعٍ لا يعرفه جسده، لكنه شعر بثقله في روح الآخرين.

الكتابة ليست دائمًا ترجمة لحياة الكاتب، بل قد تكون في أحيان كثيرة، إسقاطًا لحياة أخرى، لحالة إنسانية مشتركة، أو حتى تأملًا صامتًا في ما يمكن أن يكون.

على القارئ أن يُفرّق بين الكاتب ونصه، وأن يقرأ الخاطرة ككائن مستقل، نابض بذاته، لا كمرآةٍ تعكس الكاتب بكل تفاصيله. فما نكتبه ليس بالضرورة مرآةً لما عشناه، بل لما استطعنا أن نتصوره، أن نحسّه، أن نصدقه، ولو لم نمرّ به.

في النهاية، لا يهم من أين جاء النص، بقدر ما يهم ما أثاره فينا. فالصدق في التعبير لا يعني أن الكاتب عاش كل ما كتب، بل أنه كتب وكأنه عاشه.

تعليقات