"الضوء في عتمة الذات"

بقلم : حسين الشرقي 


قال لها بصوت هادئ: هل شعرت يومًا أن الحياة مجرد صدى؟

– أجابت بعد صمت طويل: نعم… أحيانًا أشعر أن كل شيء حولي مجرد انعكاس، لا أحد يسمعني حقًا، ولا أنا أسمع نفسي.

– قال: إذن نحن هنا، بين صمت الآخرين وصدى أرواحنا، نحاول أن نجد معنى لوجودنا.

– قالت: لكن ما هو هذا المعنى؟ كلما اقتربت منه، ينجرف بعيدًا كما لو أنه وهم.

– أجاب: ربما المعنى ليس شيئًا نصل إليه، بل شيء نصنعه في لحظات صامتة، بين الألم والفرح، بين فقداننا لأنفسنا وإيجادنا لها من جديد.


– قالت: أشعر أن الزمن يسرق مني كل شيء، حتى أفكاري وأحلامي.

– قال: الزمن لا يسرق، نحن من نفقد حين نعيش بلا وعي، حين نتبع روتينًا يجعلنا غرباء عن أرواحنا.

– همست: وكيف أجد نفسي بين كل هذه الضوضاء؟

– قال: بالصمت… بالابتعاد عن كل ما يطفئ نورك. هناك، في وحدتك، ستسمعين صوت قلبك الحقيقي، وستكتشفين كم أنتِ أقوى مما تتصورين.


– قالت بنبرة مرتعشة: أخاف أن أكتشف أنني بلا قيمة.

– قال: القيمة لا تُقاس بعين الآخرين، بل بما تزرعينه في قلبك وفي العالم، حتى لو لم يلاحظ أحد. كل عمل صغير، كل كلمة صادقة، كل شعور حقيقي، هو نور يخلق معنى في هذا الكون الصامت.


– تنهدت وقالت: أحيانًا أشعر أن الخوف هو طوقي الأبدي، أنني محاصرة بين رغبتي في الحياة ورغبتي في الهروب.

– أجابها: الخوف رفيقنا الأقدم… لكن ليس عدوّنا. فقط من نتقن السير معه دون أن نسمح له أن يقودنا، نصبح أحرارًا. الحرية ليست في الهروب، بل في القدرة على مواجهة الألم والوقوف رغم كل شيء.


– قالت أخيرًا بصوت ضعيف: وهل ينجح قلب في العيش بعد كل هذه المعارك؟

– قال: القلب لا يموت. حتى عندما ينكسر، يظل ينبض، يظل يبحث، يظل يضيء في الظلام. نحن هنا لنعيش، لنخطئ، لنحزن، لنحب… لنصنع من كل لحظة ضائعة سببًا للعودة إلى أنفسنا.

ابتسمت بعينين مليئتين بالدموع، وشعرت أن شيئًا قد تغير بداخلها… لم تعد تبحث عن الإجابات في الخارج، بل أدركت أن كل معنى، كل ضوء، كل سلام، يبدأ من اللحظة التي تختار فيها أن تُسمع قلبك، أن تعترف بوجودك، وأن تصنع من نفسك وطنًا صغيرًا في عالمٍ كبيرٍ بلا ضمانات.

في النهاية، نحن لا نملك سوى اللحظة، وهذا كافٍ… كافٍ لنبدأ من جديد.

تعليقات