بقلم: خليفة سالم الغافري
الحوار هو جوهر التفاهم الإنساني، وهو الأداة التي نستخدمها لنقل أفكارنا والتفاعل مع الآخرين. لكنه يصبح بلا معنى حين يكون الطرف الآخر قد اتخذ قراره مسبقًا عنك، حين يكون قد كوّن صورة ثابتة لا تتغير مهما قدمت من حجج أو أوضحت من رؤى. لا جدوى من الحديث مع من يرى الأمور من زاوية واحدة، ويرفض أن يمنحك فرصة لتقديم ذاتك كما هي، لا كما رسمها في ذهنه مسبقًا. الحوار في جوهره قائم على التفاعل والتبادل، وليس على فرض وجهة نظر أو تأكيد قناعة مغلقة لا تقبل النقاش.
إن كنت لا تستطيع الاستماع إلي، أو لا تملك الرغبة في فهمي، أو لا تملك الحد الأدنى من الاحترام لوجودي ورأيي، فلا داعي للنقاش. الاستماع ليس مجرد سماع الكلمات، بل هو إنصات لما خلفها، لمحاولة إدراك الفكرة في سياقها الكامل دون اجتزاء أو تحريف. أما الفهم، فهو يتطلب استعدادًا للنظر في الأمور من منظور الآخر، حتى وإن كنت لا تتفق معه، بينما الاحترام هو القاعدة التي يقوم عليها أي تواصل إنساني صحي، فلا يمكن أن يتم نقاش مثمر إذا كان أحد الطرفين ينظر للآخر بدونية أو استهزاء.
ليس كل نقاش يستحق أن نخوضه، ولا كل شخص يستحق أن نمنحه وقتنا وجهدنا. حين يكون الطرف الآخر غير معني بالحوار الحقيقي، ولا يسعى إلا لإثبات تفوقه أو تأكيد قناعاته دون اعتبار لما تقول، فإن الانسحاب ليس ضعفًا، بل هو موقف حكيم يحفظ الكرامة والوقت. في كثير من الأحيان، يكون الصمت أبلغ من الجدال، وتكون التجاهل أكرم من محاولة إقناع من لا يريد أن يفهم. لذا، لا أناقش من لا يناقشني حقًا، ولا أضيّع وقتي مع من يرى في الحوار ساحة حرب لا مجال فيها إلا للغلبة. الحوار قيمة نبيلة، لكنه لا يكون كذلك إلا حين يكون قائمًا على أسس من العقل والانفتاح والاحترام.

تعليقات
إرسال تعليق