"حين يصبح الوجع لغة حب"

بقلم: حسين الشرقي 



قلتُ لها وأنا أحدّق في عينيها المرهقتين: "أعطيني همومكِ كلّها. لا تجمّلي نفسكِ من أجلي، ولا تخفي حزنكِ خلف ابتسامة صامتة. أريدكِ كما أنتِ… بوجهٍ أتعبته الأيام، وبعينين لم تعرفا طعم النوم، وبقلبٍ يصرخ منذ زمن ولا يجد من يسمعه."


– تنفّست بعمق وقالت: "وهل تظنّ أني أقدر؟ أثقالي ليست بسيطة، إنها صخور على صدري، أخشى إن وضعتها عليك أن تنكسر."


– أجبتها بثبات: "أنا لم أُخلق لأراكِ خفيفة فقط، بل لأكون صخركِ حين تهتزّ الأرض تحت قدميكِ. لا تخشي أن تنهاريني، فكلما زدتِ ثِقلاً عليّ، ازددتُ قربًا منكِ. البحر لم يُخلق لسطح المراكب وحدها، بل ليحتوي الغرقى أيضًا… وأنا اخترت أن أكون بحركِ الذي يحتويكِ."


– نظرت إليّ طويلًا وكأنها تبحث في ملامحي عن صدقٍ لا يرتجف، ثم قالت: "ولكن… ماذا ستفعل بكل ما ستأخذه مني؟ ماذا ستفعل بدموعي وارتجاف صوتي وضعفي الذي أخجل منه؟"


– ابتسمت وقلت: "سأحوّل دموعكِ إلى نجوم تضيء عتمتي وعتمتكِ معًا، سأجعل خوفكِ يتعلّم الأمان بين يديّ، وسأبني من كسركِ بيتًا من حنان، يحميكِ من برد الحياة. أريد أن أسمع صوتكِ حين تقولين لي: تعبت… لأردّ عليكِ: تعبكِ عندي راحة."


– تنهدت وقالت: "لكنّي أخاف أن يبهت حبّك مع كثرة وجعي، أن ترى حزني قبحًا فتملّ."


– اقتربت منها وقلت بصدقٍ لا يعرف مواربة: "أنا لم أحبّكِ لأني رأيتكِ كاملة. بل أحببتكِ لأني رأيتكِ إنسانة. وما أجمل الإنسان حين يكشف ضعفه دون خوف. الحب الذي لا يحتمل دموعكِ، لا يستحق ابتسامتكِ. فدعيني أكون ذاك الذي لا يهرب حين تثقلين، بل يزداد عشقًا لأنكِ اخترتِ أن تسلّميه ضعفكِ."


– سكتت قليلًا ثم همست: "إذا أعطيتك همومي، فهل ستبقى؟"


– قلت: "بل سأبقى أكثر. سأبقى لأنني عندها سأعرفكِ حقًا. عندها لن تكوني صورةً مثالية في خيالي، بل حقيقة كاملة بكل تناقضاتها. سأراكِ في ضعفكِ كما أراكِ في قوتكِ، في حزنكِ كما في فرحكِ. وسأحبّكِ أكثر، لأنكِ سمحتِ لي أن أشارككِ ما عجزتِ عن مشاركته مع أحد."


– رفعت عينيها إليّ، وفي بريقهما سؤال لم يُقال: "أتعدني ألّا ترحل؟"


– أجبت: "أعدكِ أني باقٍ، لأن الحبّ ليس مائدةً نأكل عليها الفرح فقط، بل هو بيتٌ نتقاسم فيه الجوع والخبز، الضوء والعتمة، الانتصار والانكسار. أعدكِ أني لن أراكِ عبئًا يومًا، بل نعمةً أزداد بها إنسانية."


– عندها، أطرقت رأسها وقالت بصوتٍ متردّد لكنه صادق: "إذن… لن أخفي شيئًا بعد الآن."


– ابتسمتُ وقلت: "ذاك ما أردته منذ البداية… أن أراكِ بلا أقنعة، أن تفتحي صدركِ لي كما يفتح الناي صدره للريح، فيخرج منه لحنٌ لا يخرج إلا بالانكسار. فامنحيني كل همومكِ… وسأحوّلها إلى موسيقى لا تنطفئ."

تعليقات