بقلم: سميرة أمبوسعيدية
سامي... شاب متقد الطموح، يتنفس الحياة بشغف، ويهوى كرة القدم حدّ الجنون. نشأ في مدينة صغيرة، لكنه حمل في قلبه حلمًا بحجم السماء: أن يغدو لاعبًا محترفًا. اجتهد، صقل مهاراته، ووازن بين تفوقه الدراسي وحضوره الاجتماعي، فكان كمن يمهّد الطريق لنفسه بخطوات واثقة.
تتابعت الأيام وهو يحلّق بين نجاح وآخر، حتى باغته وهنٌ غامض أخذ ينهش جسده، مبددًا إيقاع حياته. انقلبت أحلامه فجأة إلى امتحان عسير، حين اضطر لدخول المستشفى، حيث بدأت رحلة طويلة من الفحوصات الدقيقة المتكررة. وبين رجفة الخوف ورعشة الأمل، جاء الخبر الصاعق: سامي مصاب بالداء الخبيث!
انهارت الأم، وذرف الأب دموعًا غزيرة رغم تظاهره بالصمود. أما سامي، فكان وقع الخبر عليه كزلزالٍ اجتاح عالمه، لكنه سرعان ما تماسك. أيقن أن الاستسلام موتٌ بطيء، فآثر المواجهة.
دخل معركة العلاج الكيميائي بما فيها من آلام منهكة وآثار جانبية قاسية. خسر وزنه وقواه، لكنه لم يخسر يقينه. كان محاطًا بعائلته وأصدقائه، يمدونه بالدعم ويشحنونه بالإصرار. ولأنه صاحب روح معطاءة، أنشأ مدونة يدوّن فيها يومياته، كاشفًا مشاعره وتجربته. تحولت كلماته إلى منارة أمل، ألهمت كثيرين ممن كانوا يواجهون صراعًا مشابهًا.
وبمرور الوقت، بدأت أشعة التحسن تتسلل إلى جسده. شيئًا فشيئًا، استعاد عافيته، وعاد بخطوات متدرجة إلى هوايته الأثيرة: كرة القدم. لم يكن هدفه مجرد اللعب، بل استعادة ذاته التي قاومت على سرير المرض.
وبعد عام من الكفاح المرير، جاء اليوم الموعود؛ أعلن الأطباء أن سامي قد هزم السرطان. جثا على الأرض ساجدًا لله شكرًا، وانطلقت دموعه ودموع أحبته في لحظة لا تُنسى. عاد إلى دراسته، وإلى الملاعب، لكن هذه المرة ليس كلاعب فحسب، بل كرمزٍ يجسد الصمود والإرادة.
لم يكتفِ بانتصاره الشخصي، بل حمل رسالته للآخرين؛ نظم حملات توعية، وجمع التبرعات لدعم أبحاث السرطان. صار صوته صدىً للأمل، وتجربته شهادة حية على أن الإرادة حين تقترن بالإيمان والدعم، قادرة على تحويل اليأس إلى انتصار خالد.
قصة سامي ليست مجرد حكاية مرض وشفاء، بل مرآة تُظهر أن الإنسان حين يتشبث بالأمل، ويتسلح بالعزيمة، يقدر أن يصوغ من محنته معجزة. سامي اليوم ليس لاعب كرة وحسب، بل أسطورة صغيرة تهمس في آذان العالم: إننا لا نُهزم ما دمنا نؤمن أن وراء كل عتمة فجرًا آتٍ.

تعليقات
إرسال تعليق