الحكواتي: ليالٍ وقصص وبطولات

بقلم: عبير سيف الشبلية


سلطنة عمان، عراقة وتاريخ، أرض وارفة الظلال، تزخر بحياة ثقافية وأدبية غنية. عبر العصور المتعاقبة، شهدت عمان حضارات إنسانية أثرت في تكوين مجتمعها وتشكيل رؤيته للعالم.

قال أفلاطون: "الأدب محاكاة للحياة"، فالأدب يعكس الواقع وينقل الأفكار والمشاعر الإنسانية عبر صور تاريخية وقيم وأحداث المجتمعات.


فن الحكواتي: بين التقليد والإبداع


من أبرز مظاهر الثقافة الأدبية في عمان: الحكواتي، عادة شعبية تقليدية عرفها الناس في المنازل والمقاهي والطرقات.

الحكواتي لا يكتفي بسرد القصص، بل يحييها بالحركةوالصوت والتفاعل مع الجمهور، ليخلق جوًا من الإثارة والتشويق، ويترك المستمع مندمجًا في عالم الحكاية.

كانت الحكايات وسيلة للتسلية، وفي الوقت نفسه للتثقيف وترسيخ القيم والأخلاق التي جسدها أبطال القصص، حتى لو كانت أحداثها خيالية.

فائل المطاعني  جسر بين الأجيال

من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تعزيز الحركة الأدبية العمانية، فائل المطاعني الشهير بفايل المطاعني، الذي عمل على إحياء فن الحكواتي الأصيل بأسلوب يجمع بين التقليدي والحديث، ممزوجًا بالتراث والخيال.

وظف إرث الحكاية الشعبية في قالب قصصي معاصر، ليصبح جسرًا بين الماضي والحاضر، محافظًا على ذاكرة الأجيال، ومقدّمًا إياها بروح نابضة بالحياة.

إسهاماته امتدت إلى تدوين النصوص وصياغتها بلغة أدبية مشوّقة، فصارت الحكايات جزءًا من الأدب المكتوب بعد أن كانت محصورة في الذاكرة الشعبية. كما تُرجمت بعض أعماله إلى لغات عالمية، وحصل على دكتوراه فخرية من جمهورية مصر تقديرًا لإسهاماته الأدبية والثقافية.

التحديات وآفاق المستقبل

يقول فائل المطاعني:

"إن الحكواتي مهنة أو حرفة، إذ يمتد عمل الحكواتي يوميًا على فترتين: بين صلاتي المغرب والعشاء لساعة كاملة، ثم بعد صلاة العشاء، وأحيانًا حتى ساعات الفجر الأولى. وهي وسيلة للتسلية والتثقيف، وترسيخ للقيم والأخلاق في الحكايات، حتى لو كانت غير واقعية."

ويضيف:

"رغم ازدهار الحركة الأدبية، لا تزال تواجه تحديات مثل قلة منصات النشر وضعف التوزيع العالمي. إلا أن بروز أسماء شابة وفاعلة يفتح آفاقًا واسعة لمستقبل الأدب العماني، خاصة في مجالات الحكاية والرواية والمسرح."

إرث الأدب العماني

من خلال جهود الأدباء والشعراء والكتّاب، ومن بينهم فائل المطاعني، تواصل الحركة الأدبية العمانية شقّ طريقها بثبات نحو العالمية، محافظة على هويتها الأصيلة ومنفتحة على آفاق الإبداع والتجديد.

لقد جعل فائل المطاعني من الحكواتي تجربة تعليمية وثقافية وإنسانية، تنقل للقارئ والمستمع قيمًا، وتاريخًا، وأسلوب حياة غنيًا بالخيال والإثارة.

الخاتمة

الحكواتي فائل المطاعني ليس مجرد راوٍ للقصص، بل حامل رسالة الأدب العماني وروحه. إنه الجسر بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة الشفوية والنص المكتوب، وبين التقليد والتجديد. ومن خلال أعماله، يظل فن الحكواتي حيًا، نابضًا بالقصص وليالي  من التشويق والمعرفة، لكل من يقدر الأدب والحكاية.

تعليقات