عندما أصبحت كاتبة

بقلم :عصماء بنت محمد الكحالية 

عندما أصبحتُ كاتبة، شعرتُ أنّني ولدتُ من جديد. لم أعد تلك الفتاة التي تُخفي مشاعرها في زوايا الصمت، ولا تلك التي تكتفي بالتأمل من بعيد. صرتُ أمتلك لغةً، واللغة امتلكتني. كأن بيني وبين الحروف عهدًا قديمًا انتظر لحظة الوفاء.


عندما أصبحتُ كاتبة، تغيّر كل شيء؛ صار الليل صديقي، والقلم رفيقي، والأوراق بيوتًا ألوذ إليها. كنتُ أهرب من ضوضاء العالم، فأجد في الكتابة سكينةً لا يقدر عليها بشر. كانت الكلمات تُنقذني من الغرق، وتُعيد تشكيل جُرحي على هيئة قصائد، وتحوّل وحدتي إلى فضاءٍ واسع مليء بالأصوات.


اكتشفتُ أنّ الكتابة ليست مهنةً ولا هواية، بل حياةٌ أخرى تُعاش بين السطور. إن كتبتُ عن الحزن، خفَّ وزره، وإن كتبتُ عن الفرح، تضاعف نوره. وإن كتبتُ عن الحب، وجدتُني أحبّ أكثر. صرتُ أفهم نفسي وأنا أكتب، وأفهم الآخرين من خلال ما أخفيه وما أُفصح به.


عندما أصبحتُ كاتبة، عرفتُ أنني أحمل مسؤولية؛ أن الكلمة ليست عابرة، وأنّها قد تُنير طريقًا أو تُطفئ قلبًا. فتعلمتُ أن أزن عباراتي بميزان الروح، وأن أكتب بصدقٍ لا يُهادن.


كل نصٍّ كتبته كان مرآةً صغيرة تعكس ملامحي: امرأة قوية حينًا، هشة حينًا آخر، حالمة دائمًا. ومع كل سطر، كنتُ أُرمم نفسي وأبني جسرًا جديدًا بيني وبين هذا العالم المليء بالتناقضات.


عندما أصبحتُ كاتبة، لم أعد بحاجةٍ لمن يمنحني صوتًا؛ صرتُ أنا الصوت. لم أعد أبحث عمّن يروي قصتي؛ صرتُ أنا راوية نفسي. وأدركتُ أنّ الكتابة ليست فقط ما أخطّه على الورق، بل هي ما تنبض به حياتي كل يوم.


الآن، كلما أمسكتُ قلمي، شعرتُ أنني أتنفّس من جديد. فالكتابة لم تُغيرني فقط… لقد منحتني حياةً أوسع من عمري، وذاكرةً أبقى من جسدي، وخلودًا لا يملكه سوى الحرف.

تعليقات