بقلم: طاهرة الشامسية
أحيانًا أشعر أن للذاكرة أبوابًا خفية، يطرقها الحنين حين يغفل الحارس، فتُفتح بلا إذن، وتقتحم عليَّ اللحظة بجيشٍ من الصور القديمة. وكأنّ هناك من قام بهكر ذاكرتي، عبث في شيفراتها، واستخرج من أعماقها مشاهد كنت قد دفنتها في مقابر النسيان.
تتدفق الوجوه، تتناوب الأصوات، وتتناثر المواقف كأشرطة مشوشة تومض وتنطفئ. أجدني أبتسم تارة، وأختنق تارة أخرى، كمن يشاهد فيلمًا لا يستطيع التحكم في إيقافه أو إعادة عرضه. إنّها "هكرتة الذكريات" التي تُرغمني على مواجهة ما هربت منه طويلًا.
كم تمنيتُ أن تكون الذكريات مثل ملفاتٍ على جهازٍ ذكي، أحدد ما يُحذف منها وما يُحفظ، أضع لها كلمة مرور فلا يقترب منها متطفل، ولا تستفزني في ليالي الأرق. لكن الذكريات عنيدة، لها مفاتيحها الخاصة، تُفتح بمجرّد رائحةٍ عابرة، أو لحن قديم، أو حتى بريق عيون تشبه ملامح من مضى.
أحيانًا تكون الهكرتة رحيمة، تُهديني لحظات دافئة كنت قد نسيتها؛ ضحكة صافية من قلبٍ أحبه، أو تفاصيل مكانٍ كان ملاذًا لروحي. وأحيانًا تكون قاسية، تقتادني إلى دمعةٍ لم تجف، أو خيبةٍ لم تلتئم، فتتركني ممزقًا بين حنينٍ لا يُستعاد وألمٍ لا يُمحى.
لكنني رغم كل ذلك، أُدرك أن "هكرتة الذكريات" ليست لعنة تمامًا، بل هي تذكير خفيّ أنني عشت، أحببت، فرحت، وخسرت. وأن كل ومضة، سواء أوجعتني أو أبهجتني، هي خيط ينسج قصتي في هذه الحياة.
فلتستمر الذكريات في اختراق حصوني متى شاءت، ولتعبث بذاكرتي كما تريد؛ فما أنا إلا إنسان يحمل داخله أرشيفًا لا نهائيًا، يزداد كل يوم، وأي محاولة لمحو سطوره ليست إلا هكرًا جديدًا.. أرحم أحيانًا، وأشد قسوة أحيانًا أخرى.
tahra.alshamsi74@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق