بقلم: حسين الشرقي
جلسا في مواجهة بعضهما، وكل ما في الغرفة ينسحب بهدوء إلى الخلف، كأن الوجود كله انكمش ليفسح المجال لعينين تتحدثان وحدهما.
لم يكن هناك صوت، ولا كلمة، فقط أنفاس متقطعة ترتجف كقصيدة خجلى تبحث عن شاعرها.
هو كان يراقب ملامحها كما لو أنه يقرأها لأول مرة؛ يحدّق في انحناءة وجنتها، في تلك الشامة الصغيرة التي بدت وكأنها نقطة ختم على نصٍ مقدّس، وفي بريق عينيها الذي يفيض بالأسئلة، باللوم، بالحب، وبشيء آخر لا يعرف اسمه.
أما هي فكانت غارقة في عينيه، تقرأ في سوادهما ما لم يجرؤ لسانه على الاعتراف به، كأن كل صمته صار اعترافًا متأخرًا لا يحتاج إلى صياغة.
ابتسمت قليلًا، ابتسامة قصيرة، لكنها كسرت جدار المسافة كلها.
هو ارتبك، كاد أن ينطق، لكنه ترك الحروف تذوب في صدره. لم يشأ أن يفسد تلك اللحظة بالصوت، فاللغة صارت أضيق من المشاعر.
أمسك بكفّه حافة الطاولة، ثم تركها، ثم عاد إليها من جديد. يده المرتبكة كانت ترجوكِ: "امسكي بي قبل أن أضيع."
هي لم تمسك بيده، بل وضعت أصابعها قريبة من أصابعه، حتى كاد الهواء بينهما أن يحترق من قربٍ لم يكتمل.
نظر إليها بعينين ممتلئتين برجاء ناعم، كأنه يهمس: "لو تعلمين كم أحتاجك الآن."
أمالت رأسها قليلًا، ولمعت عيناها بردٍّ صامت: "وأنا.. ألستُ هنا؟"
في تلك اللحظة، لم يكن أحدهما بحاجة إلى كلمة.
كل العتاب كان قد قيل في نظرةٍ عابرة، وكل الحب كان قد أعلن نفسه في ارتجاف رمشٍ واحد.
هو ابتسم أخيرًا، ابتسامة رجل استسلم لعيني امرأة، وهي أطرقت برأسها قليلًا، كأنها تقول: "كفاني أن تعرف."
وظلّ الصمت بينهما ممتدًا، لكنه لم يكن فراغًا؛ كان مليئًا بنبضين يتجاوبان، وبحوار طويل من العيون، أعذب من كل كلام.
تعليقات
إرسال تعليق