بقلم : عصماء بنت محمد الكحالية
وُضعتُ في مقامٍ بين بين، لا إلى القرب أُسجّل انتماءً، ولا إلى البُعد أَغدو غريبًا.
كأنّي معلّقةٌ في فراغٍ مُظلِم،أحاذر فيه من أن تلتصق بي لحظةٌ،
فتُحييني، أو تُميتني صمتًا.
كنتُ أرى من كان لي قلبه مأوى،
فإذا به اليوم خالٍ من صخبٍ أو دفء،
ظلٌّ باهت، ينجرف في مداراته الخاصة،
لا يلمس روحي، ولا يبعث في كياني إلا الفتور.
ويذوب الحنين بين أصابعي كغبارٍ قديم،
وأكتشف أنّ لكل وهجٍ نهايته،
وأن البُعد لا يحتاج دومًا إلى قرارٍ صارم.
أحاول أحيانًا العودة إلى شظايا الذكريات،
أعيد تركيب لحظاتٍ كانت تُوقظ قلبي،
لكنها تتفتّت بين أصابعي كرمادٍ متطاير،
وأجد نفسي وحيدةً وسط هذا الامتداد،
أهمس لمن لا يسمع، وأستمع لصدى صمتي:
هل بقي شيءٌ مني في وجدان الآخرين؟
أم أنّني عابرةٌ، كظلٍّ لا يترك أثرًا؟
في هذا الخيار الوسيط،
تعلمت أن أصمت أكثر،
لأني لم أعد أطيق صرخة داخلي،
ولا مواجهة الخارج بلا حماية.
صرتُ متفرّجة على نفسي،
أراقب قلبي ينجرف بلا مرساة،
وأدرك أنّه ما لم أعد أحتفظ بمن كان يومًا قريبًا،
صار غيابهم عني أخفّ أحيانًا من حضورهم.
أصبحتُ أكثر انسحابًا، وأكثر غموضًا، وأكثر صمتًا،
ككتابٍ مفتوح بلا عنوان،
صفحاتي تهمس لمن يعرف كيف يقرأ بين السطور،
وأنا أبحر في لجة اللاشيء،
في الخيار الوسيط الذي لم أختره يومًا،
لكنه صار ممتلئًا بي،
ممتلئًا بصمتٍ مُكبّت، وبفتورٍ صامت،
وحزنٍ لا يُعلن عن نفسه إلا حين يُفكر القلب وحده.

تعليقات
إرسال تعليق