بقلم : خليفة سالم الغافري
الكتابة، هذا الفعل الذي قد يبدو بسيطًا لمن لم يجربه بعمق، يمكن أن يكون تجربةً مُرة وثقيلة على الروح. هي ليست مجرد عملية وضع الكلمات على الورق؛ بل هي عملية استخراج للذات، تقشير لمشاعر مكدسة، واعترافات قد لا نجرؤ على البوح بها بصوت عالٍ. عندما تمسك قلمًا لتوثق هزائمك، تجد نفسك أمام مرآة صادقة تكشف عما بداخلك من ضعف وخيبات.
الكتابة عن الهزائم هي مواجهة حقيقية مع الذات، مواجهة تتطلب شجاعة وصدقًا. فالهزائم ليست مجرد فشل في تحقيق هدف معين؛ هي تعبير عن لحظات انهيار، عن آمال ضائعة، وعن أحلام تصدعت. حين تسجل تلك اللحظات، كأنك تعيد عيشها مرة أخرى، بكل تفاصيلها ومرارتها. وهذا ما يجعل الكتابة مُرة، لأنها تحتم عليك الغوص في أعماق جراحك وإعادة فتحها لتوثيق كل قطرة ألم.
الكتابة عن الهزائم تمنحك فرصة لتفهم نفسك بشكل أعمق. لماذا فشلت؟ ماذا كان يمكن أن تفعل بشكل مختلف؟ إنها لحظة تأمل وتفكر، قد تكون مؤلمة، لكنها ضرورية للنمو الشخصي. الهزائم، مهما كانت مرارتها، تحمل في طياتها دروسًا ثمينة. وتوثيقها يعني أنك على استعداد لتعلم تلك الدروس، وأنك تبحث عن معنى أعمق لتجاربك.
عندما نكتب عن هزائمنا، نحن لا نعترف بالفشل فقط، بل نمنح أنفسنا أيضًا فرصة للتسامح معها. الكتابة تُطهر الروح، وتساعد على التخلص من الأحمال الثقيلة التي نحتفظ بها داخلنا. هي عملية تحرير، تخلصنا من ثقل الذكريات المؤلمة، وتفتح أمامنا أبوابًا جديدة للأمل والتجديد.
في النهاية، الكتابة عن الهزائم هي نوع من الانتصار. هي انتصار على الصمت والخوف، انتصار على الألم والندم. هي عملية تحوّل، حيث تتحول الهزائم إلى قصص ملهمة، ومن خلال تلك القصص نجد القوة لنستمر في الطريق، بالرغم من كل العثرات.
لذا، على الرغم من مرارة الكتابة، فإنها تعتبر وسيلة شفاء، تجديد، ونمو. هي تجربة تعيد تشكيلنا وتمنحنا القدرة على رؤية الجمال في الندوب، والفرص في الفشل. وعندما نمسك القلم لنكتب، نحن نعلن شجاعتنا في مواجهة الحياة بكل ما فيها من تقلبات.

تعليقات
إرسال تعليق