اخي

 بقلم: سليمان السالمي


في صباح الاثنين، الحادي والثلاثين من يناير عام 2011

كنت غارقاً في زحمة العمل، بعيداً عن أهلي وإخوتي، حين رنّ هاتفي بصوتٍ أعرفه جيداً، صوتٌ لطالما حمل إلى قلبي الدفء والطمأنينة.

كان أخي الغالي… نعم، كان أخي و سندي وملاذي بعد الله.

قال لي بصوتٍ مفعم بالشوق ومملوء بالحب:

"متى ستأتي؟ 

لقد مرّت أيام لم أرك فيها، وأنا مشتاق إليك كثيراً."

ابتسمت رغم الارهاق والتعب وأجبته:

"اليوم مساءً سأكون عندك إن شاء الله."

وفعلاً، وفي ذلك المساء اجتمعت روحي بروحه، جلست معه وكأن شيئاً في داخلي كان يرجوني أن أطيل الجلوس، أن أحفظ كل تفاصيله في قلبي، مستمع بكل ما كان يقوله، مرتاحًا لابتسامته، لم أعلم أن ذلك اللقاء سيكون الأخير!!!!! ولم يخطر ببالي أن هذه الضحكات واللحظات الدافئة ستكون الوداع.

بعد برهةٍ من الأنس، نظر إلي مبتسماً وقال:

"أعطني مفتاح السيارة… سأخرج مشواراً بسيطاً وأعود… انتظرني."

أعطيته المفتاح… وانتظرته.

لكن انتظاري له طال، وطال حتى صار وجعاً لا ينتهي.

لم تمضِ دقائق حتى جاءني اتصال غريب:

"هل أنت بخير؟"

استغربت وقلت: "نعم، لماذا؟"

قال بصوتٍ متردّد: "لا… لا شيء… ولكن سيارتك؟ 

ما بها سيارتي ؟!!!

قال: متدهورة قرب منازلكم!"

هنا تجمد الدم في عروقي، وانقبض قلبي، وانطلقت مسرعاً لا أدري كيف وصلت، فقد كنت بلا وعي من هول الصدمة.

وصلت إلى موقع الحادث، فإذا بالزحام يعم المكان، سيارات متوقفة، ووجوه واجمة، وهمسات مبهمة… وقفت متحجراً، وكأني في حلمٍ ثقيل.

هناك، عند تلك اللحظة، تفطّر قلبي… أدركت أن مكروهاً قد أصاب أخي… بل أدركت أن الدنيا بعده لن تعود كما كانت.

رحل أخي الغالي.

رحل وترك في قلبي فراغاً لا يملؤه أحد، وجُرحاً لا يندمل مهما مرت الأيام؛ لكنه رحل وهو راضٍ، وقد جمعني الله به في آخر لحظاته؛ رحل وهو في قلبي، وسيبقى فيه حتى ألقاه على باب الجنة إن شاء الله.

سلامٌ على روحك الطاهرة يا أخي، سلامٌ على ضحكتك وحنانك، سلامٌ على ملامحك التي لم تغب عن عيني لحظة واحدة.

نم قرير العين في رحمة الله، حتى يجمعنا الله في دارٍ لا فراق فيها ولا وداع.

اللهم ارحم أخي رحمة واسعة، واغفر له ولجميع موتى المسلمين، واجعل قبورهم نوراً وفسحةً وسروراً، واجمعنا بهم في جناتك العليا برحمتك يا أرحم الراحمين.

تعليقات