بقلم: خليفة سالم الغافري
لم أكن أظن أنني سأعترف يومًا... لكن ها أنا ذا، أقف أمام مرآتي كمن يواجه قاضٍ يعرف الحقيقة ولا مجال أمامه للمراوغة. أنظر إلى وجهي، أبحث عن ذلك الشاب الذي كنت عليه، فأجده يختبئ خلف خطوطٍ لم ألحظها من قبل، خلف شعيرات بيضاء تزحف بلا استئذان، خلف نظرة لم تعد تحمل تلك اللامبالاة الطفولية.
أعترف... لم أعد كما كنت. لم أعد أستيقظ بحماس الفجر نفسه، ولم أعد أركض خلف الأحلام كما كنت أفعل ذات يوم. صارت خطاي أكثر هدوءًا، أفكاري أكثر نضجًا، لكن قلبي... قلبي لا يزال هناك، في منتصف العشرين، يرفض التصديق، يرفض الانصياع لحكم الزمن.
أعترف... أنني ما زلت أمارس طقوسي القديمة، أقف أمام المرآة، أمشّط شعري بحذر، أخفي تلك الخصل البيضاء وكأنني أخدع الزمن، أرتدي ملابسي بعناية، أتأكد أنني لا أبدو كمن تخلى عن شبابه بسهولة. أبتسم في وجوه المارّين، أتصرف كأن شيئًا لم يتغير، لكن الحقيقة تفضحني حين أنظر في عيون الآخرين.
أعترف... أنني شعرت بالمرارة حين نادتني فتاة بـ"عمي"، شعرت بوخزة خفية حين أصر شاب على أن أجلس مكانه في مقعد المستشفى احترامًا لعمري. نظرت إليه بدهشة، كنت أريد أن أقول له: "لكني ما زلت قويًا، ما زلت قادرًا على الوقوف!" لكنه كان يبتسم بأدب، وأدركت حينها أنني لم أعد أبدو كما أعتقد.
أعترف... أنني أكره تلك اللحظات التي يخذلني فيها جسدي، حين أشعر أنني بحاجة إلى الراحة بعد مجهود كنت أقوم به بسهولة. أكره أن أقول "قد كبرت"، لكن كل شيء حولي يقولها بصوتٍ أعلى مني.
أعترف... أنني أخاف من مرور الوقت، أخاف أن يأتي يوم أنظر فيه إلى نفسي فلا أتعرف عليها. أخاف أن تصبح ذكرياتي أثقل من أحلامي، وأن تغلبني الأيام قبل أن أكون مستعدًا.
لكنني أعترف أيضًا... أنني لست نادمًا. كل سنة عبرت، كل شعرة بيضاء، كل تجعيدة صغيرة، هي جزء من قصة لم أخسر فيها شيئًا سوى وهم الاستمرار إلى الأبد. العمر ليس لعنة، بل شهادة على أنني عشت، أنني أحببت، أنني جربت، أنني كنت هنا.
فليكن... سأكبر، لكن بروح تأبى أن تهرم، بروح لا تزال تشتاق للغد، بروح تعرف أن العمر ليس في عدد السنوات، بل في مقدار ما نبقيه حيًا في داخلنا.
تعليقات
إرسال تعليق