هناء درويش
في مسرح الحياة، تجلس المرأة غالبًا في الصفوف الخلفية، رغم أنها كانت دومًا من أشعلت الأنوار على الخشبة. يمنحها الله قلبًا نابضًا بالعطاء، فيحوّله الرجل ـ أحيانًا ـ إلى مطيّة يستغلها في كل طريق، دون أن يلتفت لكونها شريكته في الرحلة لا ظلًا يتبعه.
على الصعيد الاجتماعي
تولد المرأة لتجد نفسها محاصرة بجدران من عادات وأسوار من تقاليد، تُخبرها منذ اللحظة الأولى أن وجودها مرهون برضا رجل: أب يرسم ملامح خطاها، أخ يقيّد حريتها، وزوج يحصي أنفاسها. تعيش وكأنها مشروع تابع، لا إنسانة لها قرارها، فيتحول بيتها الذي كان من المفترض أن يكون ملاذًا إلى قيد غير مرئي.
على الصعيد الاقتصادي
كم من امرأة قضت عمرها بين الجدران تُكدّ وتعمل دون أن يُحسب تعبها! وكم من أخرى خرجت إلى سوق العمل لتجد أن عرقها يُقدَّر بنصف قيمة عرق الرجل. المال، تلك الورقة الصغيرة، تصبح سلاحًا في يد الرجل يساوم به حريتها وقراراتها، بينما هي تظل في دائرة الحاجة والانتظار.
على الصعيد العاطفي
أجمل ما في المرأة قلبها، لكن أجمل ما في قلبها يصبح أسهل ما يُستغل. كم من رجل عرف أن حنانها لا ينضب، فاستنزفه بلا رحمة! يتحوّل الحب إلى ساحة استغلال: هي تعطي بلا حدود، وهو يأخذ بلا شكر. تُخفي خيباتها خلف ابتسامة، وتوهم نفسها أن التضحية بطولة، بينما هي سجن ناعم يلتف حول عنقها.
على الصعيد الجسدي
جسدها الذي هو سر جمالها وسر إنسانيتها، حُوِّل عبر التاريخ إلى ميدان للسلطة. تُجبر أحيانًا على زواج لا تريده، أو تُختزل في مظهر لا في فكر. ينظر إليها البعض كأنها مجرد جسد، ينسون أن خلف الملامح عقلًا يضيء، وروحًا لا تقل عن أي رجل رفعة وكرامة.
إن استغلال الرجل للمرأة ليس قضية خاصة بالنساء وحدهن، بل هو جرح في إنسانيتنا جميعًا. فالمرأة حين تُسلب حقوقها، يُسلب نصف العالم من نوره. ولعلّ التحرر الحقيقي يبدأ حين يعترف الرجل أن المرأة ليست امتدادًا له، بل كيان قائم بذاته، وأن العلاقة بينهما ليست سيطرة وخضوعًا، بل مودة وعدلاً وشراكة تليق بكرامة الإنسان.
تعليقات
إرسال تعليق