بقلم : هناء درويش
كان يعرف أن الغياب لا يبدأ حين يرحل الجسد، بل حين تفقد الروح مرآتها.
في مساءٍ بارد، جلس وحده على مقعد خشبيّ في آخر الحديقة. أوراق الخريف كانت تهبط واحدةً تلو الأخرى، كأنها رسائل من الذين رحلوا.
كل ورقة تسقط كانت تذكّره بها.
لم يَعتَد أن ينادي اسمها. الاسم الآن جرحٌ مفتوح. كان يكتفي بالهمس: "أنتِ".
يتذكّر ضحكتها، كأنها لازالت معلّقة بين الأغصان، لكنها حين تعود إلى أذنه تصبح صدى مكسورًا.
قال لنفسه:
"الفقد هو أن أكون مزدحمًا بكِ في الداخل، وخاليًا منكِ في الخارج.
الفقد هو أن يحملني الطريق إليكِ، ثم لا أجدكِ في نهاية الطريق."
الليل يزداد ثِقلاً، والنجوم تلمع كعيونٍ تعرف ولا تقول.
أخرج دفتراً صغيرًا، وكتب:
"حين نفتقد، نصير غرباء في البيت، وأيتامًا في اللغة.
حين نفتقد، نتعلم أن ننام واقفين كي لا نغرق في فراغ السرير."
ثم أغلق الدفتر.
ابتسم ابتسامة هزيلة، وقال كمن يخاطب الهواء:
"قد علّمتني كيف أحب، لكنكِ لم تعلّميني كيف أفتقدك."
ومضى في الطريق المعتم، يتبعه ظلّها... ظلّ لا يعود.
تعليقات
إرسال تعليق