بقلم : ناصر بن محمد الحارثي
في أحد الأيام، دخلت روحٌ شابةٌ إلى مقهى الحياة. كانت عيناها تتوقان إلى طعمٍ شهي، مثلجاتٍ تظن أن حلاوتها ستملأ فراغها.
عندما اقتربت منها النادلة، التي تمثل موازين الناس وأحكامهم، سألتها الروح عن ثمن السعادة الكاملة.
أجابتها النادلة ببرود: "إنها تكلف كل ما تملكين، كل جهدك، وكل وقتك."
أخرجت الروح ما تبقى في جيبها من نقاء وطيبة، ثم سألت مجدداً عن ثمن السعادة البسيطة.
قالت النادلة: "إنها أقل كلفة، ولكنها لا تروي شغفك كاملاً."
بدأت الروح في عد ما تملك من فضائل قليلة، بينما كانت بعض الأعين من حولها تراقبها بملل، وكانت النادلة تبدو غير صبورة.
بعد تردد، اختارت الروح السعادة البسيطة.
أحضرت النادلة طلبها، ووضعت الفاتورة التي تحسب قيمتها بجهدها ومقدار سعادتها.
عندما انتهت الروح من تذوق ما نالت، تركت في المكان شيئاً ما، ثم غادرت.
عندما عادت النادلة لتنظيف المكان، فوجئت بما وجدت. كان هناك أثرٌ من المحبة والعطاء، وضعته الروح بوعيٍ بجانب طبقها الفارغ.
كادت عيناها تفيض بالدموع، عندما أدركت أن تلك الروح قد تنازلت عن بعض سعادتها الكاملة لكي تترك لها أثراً من العطاء.
الأفعال الصغيرة يمكن أن يكون لها تأثير عظيم.
حتى مع القدرات المحدودة، يمكن للإنسان أن يترك أثراً خالداً.
العبرة من القصة
الروح الشابة هي صبي صغير دخل المقهى لتناول المثلجات. القصة تذكرنا أن قيمة الإنسان لا تكمن في ما يملك، بل في كيفية استخدام ما يملك. الصبي، الذي لم يكن يملك ما يكفي لتحقيق رغبته، أظهر قدرة عظيمة على الإيثار والتحكم بالنفس، وترك أثراً لا يمحى.
هذه القدرة لا تقتصر على الموارد المالية، بل تشمل كل ما نملك من طاقات فكرية، وثقافية، وجسدية. مهما كانت إمكانياتنا محدودة، فإن العيب ليس في أن تكون قدراتنا قليلة، بل في أن نمنع هذه القدرات من أن تخدم الآخرين وتترك أثراً إيجابياً.
فالقيمة الحقيقية للإنسان لا ترتبط بظاهره أو إنجازاته الكبيرة في عيون الناس، بل بما يخفيه من خير وما يفعله من أعمال بسيطة وصادقة. إحساننا للآخرين، حتى لو كان قليلاً، هو ما يصنع الفارق في النهاية.
وانت يا صديقي لا تستهين بقدراتك ولو كانت بسيطة تأكد انها وبلا شك تحدث فارقاً ولو بسيطا في نفوس الآخرين.
تعليقات
إرسال تعليق