حصاد القمح....الجزء الثاني والاخير...

بقلم : زهرة الراسبي



صدمت سنابل المقدمه بموقف جاراتها البعيدات بالا مبالاة لما يحدث لهن، وبردودهن الغير منطقية، فغضبت وتماوجت جماهيرها بشكل عشوائي مضطرب، وبدء صخبها يتعالى ليسيطر على اجواء الريف الهادئة، فشاركتها السماء لتظلم بسرعه وترسل رعودها المدويه على الحقول لتهز قلوب السنابل البعيده ،علها تغير شيئا من طبيعتها المنحنية، فاستكملت إحتجاجها على ردود الجارات البعيده: عن أي حدود تتحدثن ؟ إنها مجرد تراب ركمها رجل المنجل في ليله مظلة، وكنا من قبلها حقل قمح موحد لم نعرف كلمة حدود، أو حتى تعاملنا فيما بيننا على أساسها، فمسحت دموعها بحسرة لتكمل حديثها الغاضب: حدودكن هذه لم تظهر للوجود الا لفترة وجيزة فلنزيلها بعيدا ولتعد ارضنا كما كانت من قبل واحده بلا أي تقسيم ولاحدود وهميه زرعت لضمان التباعد والتفكك أكثر منها للتنظيم ،كما يدعى ذو المنجل وكما ترددن انتن إهترائاته بحذافيرها بلاوعي .

وبصوت اعلى من صوت السنابل في المقدمه وبسخط أشد حرارة من سخطها ردت سنابل القمح في الجانب البعيد : إن كنتن حقا لاتعترفن بالرجل الذي جاء من أقصى البلاد لينظم عشوائيتنا ويدخل الأساليب الزراعية الحديثة، وان كان غريب فإنه يحمل علم، والعلم نور، والنور يجب أن يُتبع ...سكتن قليلا ليظهر دون قصد السبب الحقيقي لسكوتهن على حصاد مثيلاتهن بوحشيه : وإن أصررتن حقا على موقفكن فواجهن منجله الضخم وعضلاته الحديدية وواجهن معداته التي يخبئها في المبنى البعيد .

فارتجف الصوت قليلا وهن يرددن : كما إنه ما باليد حيله فماذا نملك ونحن مغروسات فالارض بضعفنا أمام قوته وحريته الدائمة، ألديكن اي قوه لمجابهته؟؟ أو أي سلاح؟

نعم الثورة..... الثورة هي قوه الضعفاء المظاليم .بادرت سنابل المقدمه بحماس متلهف :ربما نكون ضعاف ولانملك القوه الكافية لمجابة ذو المنجل، ربما تكون قوانا غير متكافئة لدرجه عاليه من التباين ربما..... ربما .... فقطعت إسترسالها فقد لمعت لديها العديد من الافكار ساعد الحماس الجرئ في إضائتها : ممكن أن نتشابك لنمنع مسيره بيننا فلا يصل إلى مبتغاه أو نتجمع معا ونربط أنفسنا بأوراقنا الطويله لنكن كالطود القوي الذي لايهاب كما يمكن أن نصدر اصواتا مرعبه وعاليه لتهز كبريائه فتحوله إلى رماد أو حتى كلمه "لا" في وجهه بصوت واحد متحد وواثق يمكن أن تجعله يغير كل مخططاته ويهرب بلا رجعة، المهم أن نثور المهم أن نغضب لحقوقنا المهم أن لانتخاذل،

شعرت سنابل الحقل البعيدة بصغرها أمام قوه روح التحدي لمثيلاتها في المقدمه فدوت بصوت ظاهرة الثقة وباطنه ذل عميق : كما قلنا لكن في البدايه أنتن وشؤنكن الداخليه ولن نتدخل بها ولكن نحذركن من مخالفه القوانين المعترف بها. لم ترد سنابل المقدمه عليهن بل انشغلت بعمل تشابك في أسفل السيقان بالقرب من الجذور وتماوجت مرة أخرى بصخب مرعب وهي تردد : لا للظلم.......لالتدخل الخارجي.....لا للعنف......لا لكبت الحريات

 في تلك الاثناء وصل رجل المنجل بعدما أبلغ الجهات المختصه بحاجته لمعدات الحصاد الاليه لوسع مساحه حقل القمح الذهبي ثم أمسك بمنجله الضخم وتوجه صوب سنابل القمح في الواجهه لكنه بدء يتعثر بسبب التشابك الذي صنعته السنابل لوقف فتكه بهن الا إنه كلما تعثر أصاب منجله عددا منهن ليسقطن شهيدات لمقاومة الظلم وظل الامر على هذا المنوال بين تعثر واقتلاع البعض حتى بدأ يشعر بالريبه فقد تسللت أصواتهن أخيرا الى مسامعه : لا للظلم... لالتدخل الخارجي... لا للعنف.... لا لكبت الحريات اول مره يسمع هذه النداءات منذ دخوله الحقل وأول مره يشعر بالخوف يتسلل إلى كيانه فارتعشت اوصاله وتخبطت حركته فزاد تعثره لينغرس المنجل أخيرا في خاصرته ليشرب من نفس الكأس الذي طالما اذاق منه السنابل المرعوبه فيسقط وسطها بعدما أطاح بثلاثه أرباع سنابل المقدمة الثائرات

                                ٧

هيج منظر التخريب و الرجل المصاب مشاعر قمحات المقدمه الناجيات التي أهالها ماحدث لاخواتها وإن شعرت بنشوه النصر تسري في أحداقها وأخذت بنشيجها تتوعد بقيه سنابل حقل القمح التي وقفت تشاهد بلاحراك او مبادرة :

الدائرة غدا لكن

 من استهان بالثغور لم يأمن الدور ،

نحن البدايه فقط والنهايه عندكن

هم بدأو بنا حتى ينتهوا بكن

كانت أصواتها الشجيه الممزوجه بدموع الحزن ونشوه النصر تشتتها ريح التهيه فلم يصل الصوت للسنابل البعيدة أو إنها لم تركز فيما تصرح به سنابل الثغور

وبعد ساعات قليله كانت سيارة إسعاف تحمل رجل المنجل وهو يأن من جراحه وزبال يكنس سنابل القمح المتشابكه والمقتلعه بعنف في مقدمه الحقل.

وفي الجانب الاخر للحقل تجوب آلات حصاد القمح لتقتلع بقيه الحقل إلى آخر مدى فيه بسرعه مثيرة وأصوات السنابل البعيده تصرخ مستنجدتا بندم ولكن هيهات أن يسمعها أحد فالآلات أكثر صمما وقساوة من رجل المنجل المخلوع.

تعليقات