حوار الحكواتي: فايل المطاعني
للصُّدفةُ لَواحِظٌ مُؤرَّخة،
تَكتُبُ شَوقَها ليومِه وتاريخه،
فصبرٌ لوقتٍ طالَ ترقُّبُه،
ولذّةُ الحُبِّ تُولَدُ في يومٍ وتاريخٍ.
الدكتورة ريم الحشار
على شاطئ نِعمة بمدينة صور الجميلة، وعلى أنغام البحر المتلاطم وصوت النورس الرّحال، التقيت بالدكتورة ريم الحشار لنتحدث عن الطب، والمرأة، والثقافة. وكان اللقاء حديثًا من القلب إلى القلب، كما وصفتْه هي بنفسها…
س1: بداية نشكر الدكتورة ريم الحشار على هذا اللقاء الممتع، ونرحب بك في هذه الدردشة. نود أن نعرّف القارئ العربي: من هي ريم الحشار؟
ج1: أنا ريم، طبيبة عُمانية حاصلة على درجة الدكتوراه في الطب من الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا، وماجستير أكاديمي في القيادة الاستراتيجية للصحة والرفاهية في بيئة الأعمال من بريطانيا، إضافة إلى شهادات دولية ومحلية في الإدارة الصحية والتدريب.
مارستُ مهنة الطب في وزارة الصحة العُمانية حيث أُسندت إليّ مهام الإشراف والتدريب في الرعاية الصحية الأولية، كما عملت مدرّبًا وطنيًا للبرنامج التكاملي لصحة الطفل دون سن الخامسة التابع لمنظمة الصحة العالمية. لاحقًا التحقتُ بالقطاع الخاص في النفط والغاز والطاقة كطبيبة صحة مهنية ومشرفة على إحدى العيادات.
اهتماماتي تتركز في تعزيز الوعي المجتمعي والحفاظ على التقاليد والثقافة العُمانية الأصيلة، إلى جانب الدور الأسري والاجتماعي. كما شاركتُ في تأسيس وإدارة روابط مهنية كالرابطة العُمانية لسرطان الثدي والرابطة العُمانية لتعزيز الصحة العامة.
نشأتُ في بيئة مثقفة ومنفتحة، وكان لوالدي دور بارز في إثراء طفولتي بالثقافة، إذ تنقّل بين الكويت ودبي ودمشق للدراسة والعمل، قبل أن يستقر في مجال الموارد البشرية. منذ سنوات دراستي كنتُ أُختار لرئاسة الصف أو نيابته، وأشارك في الإذاعة المدرسية والفعاليات. وفي مرحلة الامتياز قُدتُ فريقًا من 14 طبيبًا عُمانيًا، كما بدأت مشاركاتي التطوعية في جمعيات كالجمعية العُمانية للسرطان.
وحاليًا أعمل كمستشارة متخصصة في الوعي الوظيفي واستراتيجيات القيادة المؤسسية، وأسعى عبر منصتي العامة إلى تعزيز الصحة المهنية ورفاهية بيئة الأعمال.
س2: مهنة الطب مهنة إنسانية نبيلة. فهل كان اختيارك لها رغبة شخصية، أم رغبة الأهل؟
ج2: بصراحة، كان رزقي هو الطب، وأعتبره اختيارًا إلهيًا مباركًا. في البداية لم يكن الطب خياري الأول، بل كنت أميل إلى الصيدلة وأحب مواد الأحياء والكيمياء. لكن والدتي، التي لُقّبت طبيبة العائلة، ووالدي الذي كان يقنعني بأنها مهنة إنسانية عظيمة، كانا السبب في هذا المسار. ومع مرور الوقت أدركت أنني في المكان الصحيح، والحمد لله.
س3: تخصصاتك متعددة، وتجاربك متنوعة. هل أضاف هذا التنوّع خبرة عملية حقيقية، أم مجرد معرفة إضافية؟
ج3: أؤمن أن القراءة والعلم هما أساس التقدّم، وتنوّع التجارب المهنية يثري صاحبه ويمنحه الحكمة. تنوّع تخصصاتي ومجالات عملي أسهم بشكل مباشر في بناء شخصيتي الحالية، وزاد من رصيدي العملي والفكري.
س4: من ضمن أعمالك كنتِ مدربًا وطنيًا للبرنامج التكاملي لصحة الطفل دون الخامسة. ماذا يعني هذا البرنامج للقارئ؟
ج4: هو برنامج صحي تتبناه السلطنة وعدة دول بإشراف منظمة الصحة العالمية. يركّز على صحة الطفل التكاملية منذ ولادته حتى الخامسة، وهي مرحلة حساسة من النمو. يهتم البرنامج بالتطعيمات، التغذية، النمو الجسدي والعقلي، وتقديم الدعم لمقدمي الرعاية لضمان تنشئة سليمة صحية وفكرية.
س5: بالنسبة لسرطان الثدي، لماذا يبدأ الفحص عند سن الأربعين، رغم الحاجة للتشخيص المبكر؟
ج5: الفحص عند سن الأربعين يرتبط بدقّة جهاز الأشعة (الماموجرام) الذي لا يكشف الكتل بوضوح قبل ذلك العمر. أما الأعمار الأصغر فتستخدم معها تقنيات أخرى مثل الأشعة الصوتية أو المغناطيسية. وهنا يبرز دورنا في نشر التوعية المجتمعية بأهمية الفحص الذاتي المبكر، حتى لا يتأخر التشخيص.
س6: بصفتك مؤسسة للرابطة العُمانية لسرطان الثدي، وعضوًا في رابطة تعزيز الصحة العامة، ماذا يعني مصطلح "تعزيز الصحة العامة"؟
ج6: هو تمكين الفرد والمجتمع من رفع مستوى الصحة الجسدية والفكرية والاجتماعية، والوقاية من الأمراض عبر الوعي والسلوكيات الصحيحة.
س7: ما الفرق بين عملك في القطاع الحكومي والقطاع الخاص؟
ج7: القطاع الحكومي منضبط بالقوانين والتشريعات لكنه يفتقر أحيانًا للمرونة. أما القطاع الخاص فيمنح فرصًا أكبر للنمو والتطور لكنه قد يتطلب تنازلات. لو اجتمع انضباط الحكومي مع ديناميكية الخاص لكان التكامل المثالي.
س8: ما رأيك بموجة "النسوية" القادمة من الغرب؟
ج8: المرأة جوهرة كرّمها الإسلام. في عُمان تتمتع بحقوق متوازنة في التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية، في إطار يحترم تكوينها الفطري وثقافتنا الأصيلة. أما النسوية الغربية فتسعى لمساواة كاملة بين الجنسين دون مراعاة للفوارق الطبيعية، وهذا لا يتماشى مع ديننا ولا مع مجتمعنا المحافظ. نصيحتي أن نستلهم فكرنا من بيئتنا وثقافتنا لا من حضارات دخيلة.
س9: كتاباتك تنضح أحيانًا بالشجن. هل الحزن عندك أقوى من الفرح؟
ج9: كتاباتي ليست مقياسًا لمشاعري. الحزن والفرح يتناوبان في حياتنا جميعًا. أكتب أحيانًا بشجن لأتطهّر من ثقل اليأس وأستعيد التفاؤل، فالحياة أخذ وعطاء.
س10: بصفتك ابنة صور العفية، هل ترين إمكانية تحويل المدينة إلى متحف ومسرح مفتوح؟
ج10: صور غنية بتاريخها وحضارتها البحرية، وهي بالفعل متحف حيّ. من حقها أن تُستثمر ثقافيًا لتكون وجهة للمهرجانات والأمسيات كما هو الحال في جرش وبعلبك وقرطاج. أبناؤها يحملون هذا الطموح ويعملون رغم محدودية الموارد للحفاظ على تراثهم وصورته المشرقة.
س11: ماذا يعني البحر لريم الحشار؟ ومن يطرب مسامعها؟
ج11: البحر أصل الجينات، ومصدر الطمأنينة والتجدد. لا أحد يقف أمام البحر دون أن يبتسم أو يسترخي. أطرب لكل ما هو أصيل: الأهازيج الصورية، الطرب الخليجي، الموشحات الأندلسية، الإيقاعات الشامية، الطرب المصري، وحتى الأهازيج السواحلية والهندية. الموسيقى تخفف عناء الحياة، كما خففت عن أجدادنا مشقة الأسفار.
ختام اللقاء .. خاطرة من النوخذة ريم الحشار:
أيا قلبُ، لا تحزن على مُرّ الليالي
فما بي علّةٌ ولا بي بأسُ!
هي الحياة مذ خبرتُها حرباءُ،
مرّةٌ بكأس حالٍ… تحلو وتزهر إذا ما تفرّج همّ،
وتُغمض يأسًا عبوسًا بالٍ…
كلمة أخيرة من الدكتورة ريم للفتاة العربية:
"ابحثن عن قدواتكن في بيئتكن أولًا، وتمعّنّ قبل تبنّي أي فكر دخيل. كونوا شعلة مضيئة في سماء أوطانكن."
ختامًا: نشكر الدكتورة ريم الحشار على هذا الحوار الشيق، فقد استمتعنا بالحديث مع امرأة مؤثرة، طبيبة مثقفة، وفاعلة في المجتمع. ونحن فخورون بكِ كنجمة ساطعة في سماء سلطنة عُمان.
تعليقات
إرسال تعليق