بقلم : هناء درويش
كانت "أم حنفي" تجلس على طرف السرير الخشبي، يديها متشابكتان في حجرها، وعيناها معلقتان على قطعة الخبز اليابس الموضوعة أمامها. في الغرفة الصغيرة، كان الهواء مشبعًا برائحة الحطب، وصوت أنفاس ابنها "سعيد" المريض يتسلل كأنفاس طائر مذعور.
منذ أسبوع لم يدخل بيتهم سوى هذا الرغيف. كانت تحاول تقطيعه إلى شرائح رفيعة، تضع نصفها في جيب مريولها لتأكله في الخفاء، لكن كلما امتدت يدها إلى القطعة، كان قلبها يصفعها: وسعيد؟
في الليل، حين كان سعيد يئن من الحمى، مدت يدها وأخذت الخبز، بللته بقطرات ماء، وبدأت تمضغه برفق حتى صار لينًا، ثم وضعته بين شفتيه، كما كانت تفعل معه وهو رضيع.
ابتلع الولد لقيماته، وغفا. جلست بجواره، تتأمل وجهه الذي صار نحيلًا كظل، وأحست بجوفها يشتعل جوعًا. لكنها ابتسمت، ومسحت على شعره، وكأنها تمتص الحمى من جبينه.
مع أول ضوء للفجر، كانت أم حنفي قد أسندت رأسها إلى الجدار وأغمضت عينيها. بقي الرغيف في معدة سعيد، وبقي الجوع في معدتها… إلى الأبد.

تعليقات
إرسال تعليق