بقلم: ناصر بن محمد الحارثي
كانت السياحة في بلادي أول قصة حب مهنية لي. بدأتُها من العام ١٩٩٦م، وخلالها تمكنت من التعرف على عمان الجميلة، من مسندم الشاهقة إلى ظفار الخضراء، مروراً بصحراء بدية ووديان بني جابر. رحلةٌ في وطنٍ اكتشفتُ فيها روحي وعمقي. استمريتُ في هذا العشق حتى رزقني الله بوظيفة أخرى، لكني كلما سنحت لي الفرصة، عدتُ إلى حبي القديم لأصطحب السياح وأعرفهم على معالم بلادي.
اليوم، وبعد كل هذه السنين، بينما كنتُ أقلب في صفحات الذكريات، توقفتُ طويلاً عند هذه الصورة الجميلة التي التقطتها في أكتوبر من العام ٢٠٠٨م، بأول آلة تصوير اشتريتها. كنتُ في الثلاثين من عمري حينها، ومعي مجموعة من السياح، وكنا في ولاية الحمراء، وتحديداً في عمق وادي غول، في قرية "النخر" الساكنة بين أحضان جبل شمس الشاهق وبساتين النخيل وأشجار الليمون.
كانت القرية صغيرة، لا يسكنها إلا عائلتان في ثلاثة بيوت فقط، وقد كنتُ على علاقة طيبة بأهاليها وشيبانها الذين يمتهنون مهنة النسيج اليدوي. كلما زرتهم مع السياح، كانت تأخذهم الدهشة من نمط حياتهم البسيط، وجمال بيوتهم، وكرم أخلاقهم. كانوا يعملون بجد واجتهاد في طلب العيش الكريم، ويشتري السياح منهم في كل مرة شيئاً للذكرى.
وفي ذلك اليوم الجميل، كان الصبية يجلسون معنا، تملأهم سعادة غامرة. كنتُ حينها، كوني من العاصمة، أحسب أن حياتهم صعبة في الجبال، بعيدة عن الحدائق والمجمعات ومراكز الترفيه. إلا أن ابتساماتهم كانت تقول العكس تماماً.
وشاء القدر أن ألتقط هذه الصورة العفوية للصبية الصغار التي تعكس بساطة الحياة في تلك القرية البعيدة، حيث يجدون السعادة في أبسط الأشياء. إنها صورة تذكرنا بأن السعادة لا تحتاج إلى الكثير، بل تأتي من الرضا والقناعة وحب المكان. ابتساماتهم البريئة تخترق القلوب دون استئذان، لتخبرنا أن السعادة الحقيقية هي تلك التي تنبع من القلب، لا من الجيب.

تعليقات
إرسال تعليق