بقلم : هناء درويش
في أحد المقاهي العتيقة بحي الجمالية، جلس الشيخ مصطفى يتأمل دخان الأرجيلة وهو يتصاعد في دوائر متقطعة. كان الزمن قد نقش على ملامحه تجاعيد تشبه شوارع القاهرة القديمة: ملتوية، ضيقة، لكن مأهولة بالحكايات.
وفجأة، وقع بصره على رجلٍ يدخل بخطى مترددة، يحمل في عينيه غربة طويلة وابتسامة خجلى. ارتجف قلب الشيخ مصطفى قبل أن ينطق:
يا سلام... معقول بعد السنين دي كلها؟!
اقترب الرجل، صافحه بيد مرتعشة، وقال بصوتٍ يخالطه الحنين:
غياب... لكن القلب عمره ما غاب.
جلسا متقابلَين، كأنهما يواجهان مرآةً من الماضي. ظلّا يتبادلان الذكريات؛ المدرسة، الحارة، أول حب، وأول خيبة. كان كلٌّ منهما يستعيد نفسه في الآخر، كأن الزمن أعاد إليهما ما سرقه.
غير أن لحظة صمتٍ ثقيلٍ حطّت على الطاولة بينهما. أدركا أن الماضي وإن عاد في الكلام، فلن يعود في العمر. الزمن يلتقي بنا ليذكرنا بما مضى، لا ليمنحه من جديد.
قال الشيخ مصطفى وهو يبتسم ابتسامة حزينة:
ما أغرب اللقاء بعد الغياب... هو فرح، وفي الوقت نفسه حزن على ما لا يمكن أن يرجع.
هزّ صديقه رأسه موافقًا، ثم ارتشف رشفةً من الشاي البارد، وقال:
ومع ذلك، يا صاحبي... يكفينا أننا ما زلنا أحياء، نشهد على ما كنا، ونستطيع أن نضحك من جديد.
ضحكا، لكن الدموع كانت تلمع في أعينهما، كأنها تعلن أنّ اللقاء بعد الغياب ليس إلا احتفالًا قصيرًا في حضرة الزمن.

تعليقات
إرسال تعليق