رحمة..ملجأ في عيون عُمر

بقلم: فايل المطاعني

لم أكن أبحث عن حب جديد.

كنت أبحث عن كتف لا ينهار حين أتكئ عليه...

عن يد لا تسحبني حين أتعثر، بل تجلس بجانبي بصمت حتى أنهض.


وذات مساء، انفجر كل شيء.. كنتُ قد قضيت يومًا قاسيًا...

رسالة من الماضي نَبشت جرحًا لم يندمل بعد،

وصوت أمي عبر الهاتف، يحمل قلقًا لا يُقال، لكنه يُسمع بين الكلمات.


دخلت الجلسة متعبة...

الدوائر السوداء تحت عينيّ كانت تفضحني، وصوتي خافت كأنني أجرّه جَرًا.


نظر إليّ "عُمر" طويلًا… ثم قال، دون مقدمات:

– "رحمة… اليوم لا نحتاج للحديث، فقط قولي لي: هل ترغبين في أن نبقى هنا، بصمت؟"


لم أجب… فقط أومأت.

كان يعلم أنني على شفير البكاء.


مدّ لي كوب ماء… ووضع منديلاً قرب يدي، كأنه يقرأ المشهد كاملاً دون أن يُحرجني.


همس بصوته العميق، كمن يعزف موسيقى دافئة:

– "رحمة… ما تمرّين به، ليس ضعفًا. أنتِ فقط تعبتِ من التحمّل... وهذا طبيعي. الإنسان لا يُولد صخرة."


لم أتمالك نفسي…

سقطت دمعة، تبعتها أخرى، ثم انهمر البكاء كما لم أفعل منذ سنين.


لم يُقاطعني.

لم يطلب مني أن أتماسك.

فقط جلس بهدوء، وكأنه يقول لي: "أنا هنا… ولن أتركك."


وفي لحظة ما، سألته بصوت مرتجف:

– "هل تظن أنني سأشفى حقًا؟ أم أنني فقط أتعلم كيف أتظاهر بالقوة؟"


أجاب بثقة، ونظره لا يفارق عينيّ:

– "لا أحد يشفى بالكامل يا رحمة… نحن فقط نتعلم كيف نحمل جراحنا دون أن تنزف طوال الوقت. و... بعض الجراح تحتاج إلى صدرٍ يحتضنها، لا وصفة طبية."


نظرتُ إليه…

وفي عينيه، رأيت شيئًا لطالما تغافل عنه الناس…


"سُمرته لم تكن مجرّد لون، بل ظلّ من الطمأنينة. كان يشبه الأرض بعد المطر، صلبًا دافئًا، صامتًا لكنه حيّ."


كم من المرات مرّ هذا الجمال أمام أعين الناس، فلم يبصروه؟

كم من مرة اختزلوا الإنسان في لونه، وتجاهلوا ما في قلبه من ضوء؟


"عُمر" لم يكن أبيض البشرة…

لكنه كان أبيض السريرة، صافي النظرة، نقيّ التعامل.

في عينيه نورٌ، لا يُطفئه لون.


"ربما آن الأوان أن نتعلم كيف نرى الإنسان… لا انعكاس بشرته."


في طريق عودتي إلى البيت، لم أُشغّل الموسيقى كعادتي.

كنتُ أحتاج أن أسمع صوت قلبي… وهو يقول للمرة الأولى:


"ربما لم أعد وحيدة."

تعليقات