​قصر في الصحراء

بقلم: ناصر بن محمد الحارثي 

​في قديم الزمان، عاش رجل اسمه "صابر"، في قلب صحراء مترامية الأطراف، كانت حياته قاحلة كرمالها، لكن روحه كانت خصبة باليقين والإيمان. لم يملك من متاع الدنيا شيئاً، سوى خيمته التي كانت رمزاً لقناعته، وشاة واحدة يقتسم معها الحياة. كان صابر يمارس رعي الأغنام، وهي رحلةٌ لا نهاية لها، تماماً مثل رحلة الإنسان في صبره على أقدار الحياة.

​وفي ليلة كانت النجوم فيها تضيء دروب السماء وكأنها أرواحٌ تشهد على عظمة الخالق، سمع صابر أصواتاً غريبة. كانا رجلين من عالم المدينة، ظلاّ يمثلان عالماً بعيداً عن عالم صابر. بقلبٍ يقطر كرماً، رحب بهما في خيمته، وحينما همَّ بذبح شاته الوحيدة، لم يكن يذبح شاة، بل كان يذبح آخر قطعة من دنياه ليقدمها قرباناً لإكرام ضيوفه. لكن الضيفين أدركا عمق إيثاره، فرجعا عن طلبهما، وأُكلا من زاده القليل.

​ودعاه الضيفان لزيارة مدينتهما، وفي الصباح، رأى صابر العوز في عيون أطفاله، فقرر أن يسافر. كانت رحلة إلى عالم البشر، حيث يرى بعينيه ما يتوق إليه قلبه. لكن حينما وصل إلى المدينة، سمع الأذان، وكأن روح المدينة تناديه إلى مصدرها الحقيقي. في لحظة خشوع، أدرك صابر أن سؤاله للمخلوق هو ضعف، وأن سؤاله للخالق هو قوة. فعاد من حيث أتى خاوي الوفاض من الأسباب، لكنه كان غنياً باليقين.

​فرحت زوجته بعودته خائباً، فقد رأت في قلبه ثباتاً أعظم من كنوز الدنيا. وفي اليوم التالي، هبت عاصفة كأنها قضاء الله، فدمرت خيمته. كانت العاصفة اختباراً إضافياً ليقينه، وكانت حجرَ عثرةٍ تحولت إلى بوابة. فبينما كان يحاول إصلاح ما تبقى، وجد تحت صخرة في أرضه صندوقاً مليئاً بالذهب والمجوهرات.

​لم تكن هذه الصخرة مجرد صخرة، بل كانت عقبةً في طريقه، وما تحتها لم يكن مجرد كنز، بل كان ثمرة يقينه التي كافأه الله بها.

​ومن ذلك اليوم، بنى صابر قصرا جميلا في الصحراء ومن حولها حديقة غناء، ولم يكن القصر مجرد حجارة، بل كان معلماً لليقين، شاهداً على أن من يثق بالله فإن الله لن يخذله.


 وحينما ذاع صيته في المدينة جاء الحاكم ليزوره، لم يكن يزور رجلاً غنياً، بل كان يزور رجلاً حكيماً، هنا أدرك صابر ان ضيفيه في الماضي هو الحاكم ووزيره المخلص رحب بهما مرة أخرى وقال الحاكم لما اطلت غيابك عنا؟ فقال صابر ان العبد لا يطلب العون إلا من ربه، وأن السعادة الحقيقية هي في التوكل على الله.

فرح الحاكم من قول صابر وصار من اقربائه وجلسائه وضحكت له الدنيا.

تعليقات