نعومة المشاعر

 بقلم : هناء درويش


كان الصبح بيتنفس على استحياء، زي عروسة في أول يوم، خجلانة من النور.

وهي، "فاطمة"، واقفة على باب الشقة، ماسكة الإزازة البلاستيك، مستنية صوت البقال وهو بيزق على الصبح


وشها كان هادي، زي المية قبل ما تتحركها ريح، بس عنيها... كانت عكس كده تمامًا، فيها حاجة بتغلي... بتغلي بس بهدوء... زي حلة على نار صغيرة.

"صباح الخير يا أستاذ شوقي."

"صباح الفل يا مدام فاطمة... الطلبات المعتادة؟"

هزّت راسها وهي بتبتسم ابتسامة شبه باينة، شبه مدارية، وقالت: "آه، بس زود علبة زبادي النهاردة."


شوقي لمح حاجات كتير في وشها. الست دي، رغم البساطة، فيها حاجة غريبة... نعومة كده مش شبه الشارع ولا شبه العمارة اللي ساكنة فيها.


رجعت فاطمة للشقة، دخلت المطبخ، حطّت الزبادي جنب باقي الحاجات. وبصّت ناحية الكرسي اللي كان قاعد عليه جوزها من يومين قبل ما يسافر الشغل في الصعيد.


كانت بتحبه؟

آه، بتحبه... بس مش زي زمان. الحب اتكسر منه حتّة، واللي فضِل فيه... حنين. وده اللي مخلّيها لسه بتشتريلُه الزبادي اللي بيحبه.


قعدت على الكرسي. لمست طرف الطاولة بأطراف صوابعها، وكأنها بتطبطب عليه.


"إزاي الواحد ممكن يحب من غير ما يتكلم؟"

سؤال بيلف في دماغها كل يوم.


هي طول عمرها كده. ما تعرفش تشخط. ما تعرفش تعيط بصوت عالي. لما بتتضايق، تشرب شاي. ولما تفرح، تشرب شاي برضه.

المشاعر عندها ناعمة، زي قطن الأطفال، بس ده مش معناه إنها مش قوية.


افتكرت أول مرة قالّها "بحبك"، كان بيهرّش في دماغه ومكسوف. وهي ما ردّتش، بس وشها احمر. وسابته فاكر إن ردها كان "سُكوت البنت رضا"، وهو ما فهمش إن السُكوت ده كان مليان خوف.

الخوف... آه، الخوف من إن الكلام يبوّظ الإحساس.

الكلام ساعات بيبوظ كل حاجة.

الساعة قربت عشرة. راحت تشوف المسلسل التركي اللي بتحبه، بس قبل ما تقعد، عدّت على صورة جوزها المعلقة جنب التليفزيون، ونفخت عليها بخفة، ونضّفتها بطرف طرحتها.


قالت في سرّها:

"ماحدش يعرف... بس أنا لسه بحبك... على طريقتي."


تعليقات