بقلم : طاهرة الشامسية
في زحمة الحياة وتقلباتها، لا يظل في القلب إلا أولئك الذين شاركونا البدايات، وشهدوا معنا أولى لحظات النضج، وعاشوا معنا أفراحنا الصغيرة وأحزاننا الصامتة. هؤلاء هم الأصحاب القدامى، أولئك الذين كلما تذكّرناهم شعَرنا بشيء من الطمأنينة، وكأن قلوبهم كانت لنا وطنًا في زمن الغربة.
الصاحب القديم لا يأتي صدفة، بل هو ثمرة سنوات من العشرة والنية الطيبة والمواقف التي تشهد أن الوفاء لا يُشترى، وأن الأخلاق لا تُعلّق على شماعة المصالح. هو ذاك الذي يعرفك حين كنت على حقيقتك، دون أقنعة، قبل أن تفرض الحياة قوانينها وتضعك أمام وجوه كثيرة لا تشبهك.
لماذا نُوصى بوصال القديم؟
لأن القديم في الصحبة كالعطر المعتق، لا يبهت بمرور الزمن، بل يزداد قيمة وعبقًا. الصاحب القديم قد لا يراك كل يوم، ولا يبعث لك الرسائل في كل صباح، لكنه أول من يفتح لك بابه إن ضاقت الدنيا، وأول من يستوعب صمتك حين تعجز عن الشرح.
إنه الذي يعرف حجم قلبك، ويقدّر سكوتك، ويصون سرك حتى إن فرقتكم الأيام. لا يغتابك، ولا يبيع ودّك في سوق العلاقات المؤقتة. لذلك جاءت الحكمة العمانية والعربية واضحة: "الصاحب القديم واصله واستديم"، فلا تخسر كنزًا من الوفاء من أجل لحظة اختلاف، أو نزوة غضب، أو كلمة عابرة.
كيف نحافظ على الصاحب القديم؟
الحفاظ على الصاحب القديم لا يعني الالتصاق الدائم به، بل يعني أن نترك أبواب الود مفتوحة، وأن نغفر الزلات، ونتجاوز عن الهفوات. الحياة لا تخلو من المشاغل، لكن في كل انشغال مساحة لرسالة صادقة، أو اتصال قصير، أو حتى دعوة في ظهر الغيب.
والأهم من كل ذلك، أن نحفظ له المعروف، ونتذكر فضله في الزمن الذي لم يكن فيه لنا سند إلا هو. أن نكون أوفياء كما كان، بسطاء كما كنا، حقيقيين كما عرفنا بعضنا أول مرة.
في زمن العلاقات السريعة
لقد أصبح الصديق في هذا العصر عملة نادرة. تمتلئ القوائم بالأسماء، لكن القلوب تفتقر للثقة والدفء. كل شيء أصبح مؤقتًا، حتى الأحاديث، والوعود، والضحكات. لذلك، حين نعود إلى صاحب قديم، نشعر أننا نرجع إلى أصلنا، إلى أنفسنا كما كنا قبل أن تهزنا الرياح.
في صاحبك القديم تجد براءة الزمن، وصدق القلب، وحنينًا لا يُوصف. هو مرآتك حين كانت الروح شفافة، وهو شاهدك على أنك كنت إنسانًا جميلًا، حتى حين نسيت نفسك.
وختامًا…
إن كانت لك عشرة قديمة، أو صحبة زمن لم تخن، فتمسّك بها. لا تفرّط في صاحب عرفك قبل أن تنجح، وقَبِل بك رغم عثراتك. أعد إليه السلام إن انقطعت، وابدأ بالخُطوة إن ابتعدت. فمن نعم الله على الإنسان أن يُرزق بصديق قديم… صادق… باقٍ.
فالصاحب القديم واصله واستديم… لأن مثله لا يعوض.
tahra.alshamsi74@gmail.com
تعليقات
إرسال تعليق