بقلم : عصماء بنت محمد الكحالية
في الليالي المبللة بالغيوم، حين تتدلى السماء كستارة مسرحٍ مهجور، يخرج حسن الظن ككائنٍ شفاف يمشي بيننا.
لا وجه له، لكنه يضع أقنعة الآخرين على ملامحه؛ يبتسم حين يبتسمون، ويصمت حين يختبئون خلف وجوهٍ جامدة.
حسن الظن ليس بسذاجةٍ كما يتوهم البعض، بل هو لغة الأرواح التي تقرأ ما لا يُقال.
إنه أن تسمع في ارتعاشة الكلمة خوفًا لا اعترافًا، أن ترى في القسوة قناعًا يحمي جرحًا قديمًا، وأن تدرك أن الغياب أحيانًا ليس خيانة، بل نجاة من حريقٍ داخلي لا يراه سواهم.
الظنون السيئة تشبه غيومًا كثيفة تغلق السماء، تجعل كل برقٍ تهديدًا، وكل رعدٍ لعنة.
أما حسن الظن، فهو نافذة صغيرة تنفتح في العاصفة، يطل منها القمر ليقول: ليس كل ما يختبئ في العتمة وحشًا.
ومن يجرؤ على حسن الظن، يجرؤ على الغوص في بحرٍ ملبّد بالظلال، مؤمنًا أن اللؤلؤ ينتظر هناك، مختبئًا بين الأحجار.
يختار أن يرى الأجنحة بدل القيود، والوميض بدل الرماد، والسرّ بدل الفراغ.
إنك حين تحسن الظن، لا تنقذ الآخرين من أحكامك، بل تنقذ نفسك من التشوه.
فالقلب الذي يسكنه حسن الظن، يشبه مرآة غائمة: لا تعكس الوجوه كما هي، بل كما يمكن أن تكون لو أُتيح لها أن تُضيء.
وهكذا… يبقى حسن الظن فعل مقاومة صامتة، سرًا من أسرار البقاء النقي في عالمٍ مثقل بالأقنعة.
تعليقات
إرسال تعليق