خطوات نحو المنصة

بقلم : زهرة الراسبي



خطوات ثقيلة تقترب من مسافة بعيدة أبعد من أن يسمعها انسان ولكن اليوم بالأخص فإن أذناها تسمع كل شي وتكاد أن تراه بخيالها لو أغمضت عيناها قليلا... تقترب تلك الخطوات شيئا فشيئا ويزداد معها نبضات القلب المضطرب، صرير القفل الذي يفتح والسلسلة التي أفلتت منه لتضرب في الباب الحديدي افاقها من غفوتها وحينها استغربت: فمتى اغمضت عيناها أصلا، وكيف لبس الليل ثوب النهار فجأة.

بجحود مذعور أمعنت النظر في الحارسات وهن يأمرنها بالوقوف.

- حان الوقت استجمعي قواك وقفي معنا لنمضي.

 لم تبدي لهن أي ردة فعل وحولت نظرها الى قدماها اللاتي بدأ الشلل يسري فيهما فأخذتها الذاكرة الى ذاك اليوم المبهج حين كانت تدرب ولدها البكر ذو الأشهر على الوقوف وهي تعده بان تساعده على الوقوف الان وغدا وكل يوم...هنا أمسكت الحارستان بذراعها بلطف وأوقفتاها لتدرك إنها غير مشلولة فالتفتت بحركة سريعة يمينا ويسارا وهي تنظر اليهن على جانبيها والخوف يزداد، والنبض قد أصم أذناها فأومأت احدى الحارسات برأسها باتجاه الباب وهو تقول هيا.

 صوت السلاسل المقيدة ليديها برجليها يرافقها بثقلة الى ذلك الباب في نهاية الممر....أحقيقة هي هذه المشاهد التي أراها أمامي ؟وهذا الواقع... أحقا ؟أنا هنا والحراسات من حولي؟ وهل يدي فعلا مقيدتان ؟! أأساق إلى المنصة فعلا؟ لازلت لا أصدق ما أنا فيه! حادثت نفسها.

 لم تخذلها الذاكرة مرة أخرى لتنتشلها من هذا الواقع القاتم الى مقاعد الدراسة حيث المقالب والهروب من الحصص والتجمع فوق السطوح ومراقبة المدينة المحيطة بالمدرسة من الاعلى لا لشيء ما سوى للخروج عن المألوف وحب المغامرة فقط .

صوت السلاسل انتزعها من ذاكرتها المشفقة عليها ليقذفها الى شعور اللحظة الخانقة فنظرت كالمجنونة حولها وهي تسال من بصوت راجف لا يكاد ان يُفهم.

- كيف وصلت الى هنا ؟ لتتوقف منتصبة ممتنعتا عن التحرك مع الحارسات وهي تردد لنفسها نفس السؤال : مالذي اوصلني الى هنا ؟

 وللمرة الثالثة تنتشلها الذاكرة الى سحيق الزمن إذا كانت فيها فالصف السابع وهي تستمع بجد مصطنع الى معلمة التربية الاسلامية ذات النظرات الثاقبة من وراء نظارتها السميكة وهي تردد ...إذاً فخطوات الشيطان الذي يوسوسها للفتك بالإنسان تكون بداياتها يسيرة وبالمتناول الا إنها معصية في الاخير وتنقلك لمعيصيه أعلى منها درجة وهكذا حتى تصل بلا شعور إلى معصية كبرى ربما تكون من الكبائر وقد نجح الشيطان لإقناعك بها بالتدريج بحيث لا تشعر به، لذا فقد قيل: لا تستهين بصغائر المعاصي لأنها ستوصلك للكبائر في النهاية ...وخزة من قيود يداها أرجعتها الى منظر الممر الطويل المظلم والذي تقاد فيه حيث تهزنها الحارسات برفق: لاتقاومي فلا فائدة من ذلك، حكم الله فيك سوف ينفذ اليوم، تلامعت حبات العرق في جبيها وهي تنظر إليهن بجنون مستغرب وتوميء برأسها بالطاعة والايجاب فقد تكفلت الأستاذة محاسن في شرح ما أوصلها بالفعل الى هنا وبالتفصيل الممل : فنظرة اعجاب بسيطة لصديق زوجها لم تكن ذنب يندم عليه، لتتطور بعد ذلك الى إبتسامات خاطفه من الطرفين ثم رسائل على شكل نصائح من قبله لها، وبعدها غزل بريء وطفيف، وأخيرا تلتهب المشاعرعشقا ...وماذا في ذلك فهي مجرد رسائل في الاخير لقضاء الوقت ولتصب مشاعري عند من يستمع الي ويشعر بي فزوجي طيار تحمله الاجواء من سماء لأخرى ومن بلد لآخر، تمضي الاسابيع ولا أراه وعندما يحضر فوقته ما بين اطفاله وأصدقائه المتشوقين لروحة الخفيفة، أو يقضي اموره هنا وهناك، صحيح إنه يقضي بعض الوقت معي لكن لا يعوض غيبته الطويلة بتاتا، ثم إن سحر ابتسامة صديقه أجمل من إبتسامته هكذا يقول قلبي، وكلامه يرقى لمستوى فكري، عكس زوجي الذي التحق بسرعة في الطيران فشخصيته عملية جداً اكثر مما هي راقية ومثقفة لذا فان إتساع الهوة بيننا أوقعتني في أكناف كلمات صيقه الدافئة ،وهمساته فقادتني مشاعري إليه فلم أعد أرى أو أسمع الا إياه وهو كذاك، يقارب الممر الطويل على الانتهاء وتفتح الابواب لإستقبال فريق الاعدام والجانية: نيروز جمال الترابي والتي اقدمت على قتل زوجها لتستفرد بعشيقها المدعو عادل سراب الشدادي ....تغمض عيناها بعدما اصطدمت بأشعة الشمس المفاجئة، إذ لم ترها منذ زمن وعندما فتحتها تدريجيا تماثلت الاحداث منذ ثلاث سنوات أمامها وكأنها البارحة اتفاقها بالخطة للتخلص من الزوج ،واغتياله بدم بارد امام عينيها من قبل العاشق وسحبها بعد ذلك كمتهمة من وسط المعزيين ،فوصولها أخيراً الى هنا، عيناها لا تتوقف عن الانهمار لما آلت اليه الاحداث وهي تهمهم:

- المعاصي الصغيرة قادتني للإعدام، كأنها تعترف لنفسها...بداية الخيانة انتهت بالإعدام، لم يفهم الكل ما تهمهم به لنفسها ، تقدم رجل الدين :هل تطلبي شيئا قبل تنفيذ الحكم؟ حملقت حولها لترى أمها تذرف الدموع وتهز رأسها تحسراً على فلذة كبدها ،وفي الناحية الثانية ترى أهل الزوج المغتال وهم يكتمون غضبهم وعلامات الارتياح بادية عليهم من انتهاء القضية بالإعدام

- ماء. ردت على رجل الدين.

ابنتي سوف ينفذ بحقك حكم الإعدام لما اقترفت يداك فتشاهدي .اشهد أن لا اله الا الله محمد رسول الله.....فأرتفع صوتها متحشرجاً منفذاً آهات الندم: أشهد ان لا إله الا الله...طلقة وانتهى كل شيء.

 مستوحاة من قصة حقيقية

تعليقات