بقلم: مريم عبدالرحمن الهوتي
في إحدى لحظات الصفاء، سألتني ابنتي الصغرى سؤالًا أربكني ولامس شيئًا عميقًا في داخلي.
قالت، بنظرتها البريئة:
– ماما، ما حكم سارق القرآن؟
توقفت للحظة، أتمعن في السؤال الذي يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه يحمل في جوفه الكثير.
قلت لها:
– يا صغيرتي، سؤالك ذكي، بل عميق، ويحتاج إلى فتوى، لا مجرد إجابة عابرة.
تنهدت ثم أجبت:
– الحكم على "سارق القرآن" يتوقف على نيّته يا حبيبتي، فإن كانت نيته خيرًا، فلا إثم عليه.
من يأخذ كلام الله حبًّا وتلاوةً وتدبرًا، لا يُسمّى سارقًا، بل عاشقًا.
من يسرق آيات القرآن ليحفظها في قلبه، ويغسل بها روحه، لا نُعاقبه، بل نحتفي به.
فأي سرقةٍ هذه؟
هذه ليست سرقة، بل اقتراب من النور.
ومن اقترب من النور، لا يُؤثم، بل يُؤجر.
ثم همستُ لها:
– في هذه الحال لا نقول "سرق"، بل نقول "أخذ" ما يقوده إلى الله.
وهذا، والله أعلم.
ثم رويت لها ذكرى من طفولتي، حين كنتُ في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية.
كنت في نهاية كل يوم دراسي، أضع في حقيبتي قطعة صغيرة من الطباشير، دون علم معلمتي.
كنت أعود بها إلى المنزل، وأقوم بدور المعلمة، أشرح لأخواتي وبنات الحي، وكأن الفصل لم ينتهِ.
كنت أؤمن أنني لا أسرق، رغم أن معلمتي قالت لنا يومًا: "من يأخذ ما ليس له، فهو سارق وسيُحاسبه الله".
لكن ضميري الصغير اختار طريقًا آخر، فكنت أرفع رأسي إلى السماء، وأقول في داخلي:
"يا رب، سامحني… أعدك أن أستخدمها في الخير".
ثم أمدّ يدي، وآخذ فقط "قدَر حاجتي"، لا أكثر.
ضحكت ابنتي من القصة، وضحكت أنا أيضًا، ثم قلت لها:
– ثلاث لا تُعدّ من السرقات يا حبيبتي:
الدِّين، وحبُّ الله، والعِلم.
وهذا، والله أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق