بقلم:✍️ سميرة أمبوسعيدية
في خريف صلالة، ذات عامٍ مضى، كنت أحلم أن أرافقكِ، يا أمي، وقد فعلت. مشينا معًا على البساط الأخضر، ضحكنا تحت المطر، وكان وجهكِ في عيني أجمل من الغيم، وأصدق من الضياء. رأيتكِ تحلّقين كطفلة صغيرة، تحتسين دهشة الطبيعة بعفوية لا تشبه إلا قلبكِ، وكنتِ لي الوطن، والفرح، والنور. كنتِ، بكل تفاصيلك، صلالة نفسها.
لكن الأيام مضت، ومرّت تلك اللحظات كما يمرّ الحلم سريعًا، كلمحِ البصر. الرحلة التي كانت بكِ… أصبحت من دونكِ. عدتُ إلى صلالة، لكنها لم تعد كما كانت. فالخريف نفسه لا يزال هنا، والجبال ما زالت كما عهدناها، لكنكِ أنتِ… لستِ معي.
اليوم جئتُ وحدي. قلبي مثقل بذكراكِ، وكل خطوة أقطعها تأخذني إليكِ. كل منظر من حولي يهمس باسمكِ، وكأن صلالة بأكملها تفتقدكِ مثلي. في قطرات الندى لمستُ دفءَ كفكِ، وفي خرير الماء سمعتُ صوت دعائكِ الذي كنتِ تهمسين به في صمت، يدعو لي. أما في خضرة الأرض، فقد لمحتُ ابتسامتكِ، تلك التي كنتِ تملئين بها الدنيا حين قلتِ ذات مرة: "كأننا في الجنة."
رحلتِ يا أمي، لكنكِ ما غبتِ. ما زلتِ خيمتي في الغياب، وظلّي في الوحدة، ونبضي الذي لا يتوقف عن الحنين. عدتُ إلى صلالة، لكن بذكراكِ فقط.
وفي كل خريف، أراكِ حاضرةً في كل شيء… إلا الجسد.
رحمكِ الله يا جنتي.

تعليقات
إرسال تعليق