اللصّ والفلاسفة

 بقلم : هناء درويش


في مساء هادئ من أمسيات القاهرة، كانت القاعة الكبرى في دار الفلسفة الشرقية تضجّ بأصوات السادة الفلاسفة، كلٌّ يحمل نظريته عن الإنسان، والفضيلة، والعدالة.

وقف الدكتور منصور، وهو عجوز طويل الرأس، يرتدي نظارة سميكة، وقال بنبرة واثقة:

 "الإنسان فاضلٌ بطبعه، لا يسرق إلا إذا جاع، ولا يعتدي إلا إذا استُفزّ، ولو أُتيح له العدل لما امتدت يده إلى حرام."


وهتف الجمهور: "أحسنت يا دكتور! الحكمة! الحكمة!"

لكن في الزاوية الأخرى من القاعة، رفع أحدهم يده، كان شابًا نحيفًا، يرتدي قميصًا بسيطًا، وبنطالًا يبدو أنه استعار لونه من الغبار.

قال بهدوء: "ولكني سرقتُ البارحة... دون جوع."

ساد الصمت. التفتت الرؤوس نحوه. الدكتور منصور رفع حاجبيه كأنما يرى مخلوقًا من كوكب بعيد.


قال الدكتور بتوتر: "ما الذي تقول؟!"

ابتسم الشاب:

 "سرقتُ ساعة من يد رجل نائم في المترو. كنت قد أكلت دجاجة كاملة قبل ساعة. ولم يكن بيني وبين الجوع صلة."

قال أحد الفلاسفة من الخلف وهو يضع يده على ذقنه:

"ربما كنتَ مستفَزًّا من النظام الاجتماعي؟"

هزّ الشاب رأسه:

 "بل كنتُ سعيدًا. وقد غنيتُ في طريقي إلى المترو أغنية لأم كلثوم."

تلعثم الدكتور منصور وقال وهو يشير بعصاه نحو الباب:

"اذهب... اذهب إلى الشرطة!"

ضحك الشاب وقال وهو يخرج من جيبه ساعة ذهبية:

 "أظن أن هذه ساعتك يا دكتور."

شهق الجميع.

قال الدكتور منصور وهو يتقدم نحوه:

"أعدها! إنها إرث أبي!"

مدّ الشاب يده بالسّاعة، ثم قال بهدوء:

 "أردتُ فقط أن أختبر نظريتكم... هل أنا فاضلٌ بطبعي؟"

قال الدكتور منصور وهو يستعيد ساعته بعصبية:

 "أنت ممثل... محتال... لستَ فيلسوفًا!"

ضحك الشاب ضحكة قصيرة وقال وهو يهمّ بالخروج:

 "والفيلسوف... ألا يُفترض أن يعرف طبائع الناس؟ لا أن يخدعهم الكلام؟"

ثم أدار ظهره، وخرج.

وما زالت قاعة الفلسفة منذ ذلك اليوم، تتجنب الحديث عن "الفضيلة الفطرية".


تعليقات