بقلم .زهرة الراسبي
زعمو أن الألوان ذات مرة اتفقت فيما بينها على ان تتبادل في الادوار بحجة ان العالم ممل اذ لم يتغير فيه شي منذ الازل، اضافه الى كونها رمزا للبهجة والسرور فلا بد لها من المساهمه في التغيير لتضفي على النفوس مزيدا من البهجة في التجديد ومزيدا من الابداع في التغيير.
كانت الالوان متحمسة لهذي الفكرة لحداثتها ولإمكانيه إسعاد الناس وإرضاء الاذواق من خلالها
. وخلال ذلك ارتأت ان البحر ملتقى الذكريات والعشاق لذا فان اللون الوردي هو المثالي له حيث سيضفي عليه دفئا عاطفي وسحرا رومنسي اما الجبال باشكالها الجامده ورسوخها الصامد تحتاج الى ان تتبدل للون ييخفف من رهبتها ويبهج الارواح في نفس الوقت لذا نريده لون طفولي جذاب ومنعش فوقع الاختيار على اللون البرتقالي المرح ببساطته فانتقل الحديث بعدها الى السماء الواسعه فهي تحتاج الى لون يزيد من شروقها لتشرق النفوش على اختلاف حالاتها النفسيه فيتبدد الظلام الجافي على الصدور بهيمنته الجبريه عليها .
وفي يوم صيفي مشمس استيقظ الناس على اصوات الفرح والاهازيج المتنوعه وهتافات الاطفال الرائعه : هل لبست الدنيا ثوب جديد احلى وازهى من الماضي!؟هل قاسم قوس قزح من الوانه للطبيعه؟؟؟ لقد تبدلت الالوان وتجددت لوحات الطبيعه !! لم يعد العالم ممل لم تعد المناظر متكررة
يالها من الوان جميله زاهيه: السماء مشعه بلونها الاصفر المشرق والبحر وردي بلون الزهر وخدود البنات والرمال زرقاء نقيه والجبال مزهوة بزيها البرتقالي الجديد اما الاشجار ففضلت ان تتلفع بلون الثلج الابيض لتعكس اشعة الشمس ببريقها الاخاذ.
هكذا كان الكل يتكلم عن كرنفال الطبيعه حتى كانت تلك الالوان الحافز الاساسي لزيادة دافعيه الحياة المصحوبة بالرضا والابتسامات العريضة.
مرت الاشهر الواحد تلو الاخر حتى بدأ الهدوء المخيف والسكون الممل ينشر جنوده على القرى المتتفرقه والغابات اذ اختفى الحماس لحادثه تغيير الالوان بشكل تدريجي لدى الناس والحيوانات وكل الموجودات اذ شعر الصيادون بضيق مساحه البحر فكون البحر ازرق فان ذلك يجعله اكثر وسعا ونقائا من كونه وردي ثم ان هذا اللون بدأ يشعرنا بالضجر فما الشيء الرومنسي في كوننا نريد الصيد او ننسج شباكنا او نواجه الموجات الغاضبه والعاتيه نريده مريحا للعين ومرضي لجميع حالات الانسان النفسيه وليس هناك لون يفعل ذلك كله الا الازرق... هذا عن البحر اما الجبال فبدئت الحيوانات البريه هناك تتذمر لعدم تجانس الوانها مع لون الجبال فلا استطاع وعل الجبل ولا المعزات الاختباء فيه اعتمادا على تجانس الوانها مع الوان الجبل وحجارته كما ان النمور المتوحشه والنسور عجزت عن عمل خديعة التمويه للانقضاض على الحيوانات فاصبح الدوران في حلقة مفرغه هو الصفه اليوميه في تلك المنطقه فلا نجاح صيد من مفترس ،ولافلاح بالاختباء من فريسه .
اما الاهالي فكانوا ينضفوا بيوتهم واراضيهم بتكرار جنوني من اثار الغبار الازرق الذي صبغ ملامح البيوت والسطوح والكراسي اذ لم ينسجم لون الرمال الزرقاء معها كما كانت الرمال البنيه والصفراء تنسجم من قبل؛ كما ان الاطفال لم يهتموا يوما بغسل حباب الرمل العالقه في ارجلهم وملابسهم كما اليوم اذ ادمنوا على غسلها بشكل متكرر ولم يعودوا يحبوا اللعب بالطين كما في السابق هي فترة وجيزه لعبوا به بعد تغيير لون الرمل حتى صاروا يشمئوزن منه واحيانا يخافون منه اذا قلت اعمارهم عن السنه.
اما الاشجار فقد خيم الحزن على محياها الوقور فقد تحولت الى اشباح بيضاء منصوبه هنا وهناك وزاد من حجم ماساتها ان الطيور والحشرات غادرتها ربما لنفس سبب مغادرة الحيوانات للجبال فلم يعد المكان آمن بعدما تغير لون الشجرة عن لون الحشرات حتى اهالي القريه لم يعودوا يستظلوا تحتها او يقطعوا من اخشابها ربما لخوفهم من مظهرها الشبحي او لعدم وجود سبب للاستمتاع بمنظرها اذ لم تعد خضراء!
كل هذي الاحوال المحبطه لاتساوي شيئا امام مصيبه صفرة السماء اذ انها تعكس اشعه الشمس بشكل مزعج جدا فلا لايستطيع الناس المشي صباحا بامان اذ ان الاشعاع الشمسي قوي على العيون والعيون شبه مغمضه للحمايه من الاشعه المضاعفه والعصافير امتنعت عن الطيران والتغريد في السماء اذ اصبحت بالنسبه لها مكان تعذيب وليس تحليق .
حزنت الالوان لهذي النتائج الغير متوقعه لتبديل الالوان واحتارت في حل المشكله وبدأت تتفاكر فيما بينها:
هل تعيد ترتيب الالوان فتجعل السماء ورديه والجبال زرقاء ؟ لكن ستتولد لدينا المزيد من المشاكل غير المتوقعه كما في السابق.
هل نسمح باحد الالوان السيطرة بتدرجاته ؟ لكن ستحتج بقيه الالوان او سيجن الناس
هل ننسحب وتختفي الالوان؟ ولكن سيسيطر اللون الرمادي على الطبيعه وستموت النفسيات ؟؟ المهم ان التشاور استمر طوال الليل
بعد ليل عاصف تراشقت فيه حبات المطر الكبيرة كالنقابل اشرقت بعده شمسا باسمه والقت خيوط اشعتها على البحر الازرق والاشجار الخظراء و الرمال الصفراء والجبال الشامخه بحجارتها المتنوعه، كان ذلك اليوم مناسبا جدا بان تغرد فيه الطيور بنشاط ويبكي فيه كبار السن شوقا للطبيعه ويخرون بالسجود بكاء وفي ذلك اليوم ارتمى الاطفال يتمرغون في الرمال وانتعشت البحار بالصيادين وقواربهم المتناثره وما ان مرت أربعة اشهر حتى لبست الارض لباس الشتاء ببياضه الناصع وبهدوئه المريح وما ان مر على اللون الابيض أربعة اشهر اخري حتى تلونت الارض باللون الربيعي الزاهي والمنوع بشكل محير اذ انسجمت الالوان المتباينه لترسم لوحه رهيبه بالقدرة الالهيه ومرت أربعة اشهر ايضا ليكسوا اللون الاخضر والأصفر الارجاء وأربعه اشهر اخرى حتى كسى اللون الذهبي الخريفي الاشجار والممرات والحدائق والغابات فياله من منظر تدمع له العيون وتخشع له القلوب ويالها من طبيعه تكفل الخالق في تجانسها وتجديدها وسبحان الخلاق البديع في ملكوته
تعليقات
إرسال تعليق