بقلم : طاهرة الشامسي
يُعدّ "سلوك القطيع" من الظواهر النفسية والاجتماعية التي تنتشر في المجتمعات بصورة لافتة، حيث يميل الأفراد إلى تقليد تصرفات الآخرين واتباع آرائهم، حتى وإن خالفت قناعاتهم الشخصية أو منطقهم العقلي. ينبع هذا السلوك غالبًا من رغبة داخلية في الشعور بالانتماء أو الخوف من الرفض الاجتماعي، فيتخلى الإنسان عن استقلاله الفكري لصالح ما يفعله أو يعتقده "الجميع".
يتجلى سلوك القطيع في مواقف متعددة؛ مثل الاندفاع نحو شراء منتج لمجرد أن الآخرين يشترونه، أو عمليات تجميل وإبر نضارة، أو تبني رأي جماعي دون التحقق من صحته، أو حتى الانخراط في سلوكيات خاطئة فقط لأنها أصبحت شائعة. في عالم مواقع التواصل الاجتماعي، يتفاقم هذا السلوك، حيث تُعاد مشاركة الأفكار والمواقف دون تدقيق، ويصبح التفاعل مع "الترند" أولى من التفاعل مع الحقيقة.
ان ابرز الأسباب التي تدفع الإنسان إلى هذا السلوك ما يُعرف بـ "عقدة النقص"، وهو شعور داخلي بالدونية وعدم الكفاءة، ناتج عن تجارب سابقة من الفشل أو المقارنة السلبية بالآخرين.
فحين يشعر الإنسان بأنه أقل من غيره، يفقد ثقته برأيه وتصرفاته، ويبدأ بالجري وراء ما يفعله الآخرون، ظنًا منه أن اتباعهم سيمنحه الشعور بالانتماء والتقدير. وهنا تظهر عقدة النقص كدافع رئيسي للجري وراء القطيع.
ان هذا السلوك لا يعالج النقص الحقيقي، بل يعمّق التبعية ويطمس الشخصية الفردية، وقد يؤدي إلى الدوران في حلقة مفرغة وتبني سلوكيات سلبية أو غير أخلاقية.
إن مقاومة سلوك القطيع لا تعني التمرد المجرد، بل تتطلب وعيًا نقديًا وشجاعة فكرية، وقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ بمعزل عن التيار العام. فالفرد الذي يحتفظ برأيه الواعي وسط الضجيج الجماعي، يُعدّ صوتًا نادرًا في زمن تتشابه فيه الأصوات.
ختامًا، علينا أن نسأل أنفسنا دومًا: هل ما نفعله نابع من قناعتنا أم هو مجرد انسياق خلف القطيع؟

تعليقات
إرسال تعليق