الفصل الأول: .. "بداية قصة قلب"

بقلم : ناصر بن محمد الحارثي 


لازلت أذكر ذلك اليوم، كان يوم الثلاثاء الرابع عشر من مايو/أيار عام ٢٠٠٢م. كنت في ريعان شبابي، وبواعث الأمل تطرق أبواب مستقبلي. للتو، كنت قد أنهيت وردية عملي الجديد، والذي بنيت عليه آمالاً كبيرة وطموحات عريضة.

​فجأة، رن هاتفي، هاتف "نوكيا" القديم، وكانت أختي الكبرى على الطرف الآخر.

"السلام عليكم، كيف الحال؟ أنا بخير والحمد لله،" أجبتها.

وبادرَتني قائلة: "اليوم تعرفتُ على فتاةٍ رائعة! خلقها عالٍ، وجمالها فتان، وأخلاقها تفوق الخيال. إنها قريبتنا، وتسكن مع أهلها في البلد."

​"مَن هي؟ أأعرفها؟" سألتُ بفضول.

"لا، إنها ابنة فلان من أهلنا..." أجابت.

​بينما كنت أستمع إليها وإلى وصفها لصفاتها، كنتُ أرسم خارطة حياتي المستقبلية في مخيلتي، متخيلاً أنها ستكون رفيقة دربي مدى الحياة.

​وما إن حانت الجمعة، حتى انطلقتُ بسيارتي مسرعاً إلى بيت أختي وزوجها، لأستمع للمزيد عنها، عن جمالها وأخلاقها. كيف لي أن أراها؟ الله وحده يعلم.

​بعدها بشهر، قمنا بواجب الزيارة وصلة الرحم عندهم. كنتُ مليئاً بالأمل أن أرى محيّاها، ولكن هيهات... ليس اليوم، ولا في البلد. لكنِّي تعرفتُ على أخيها وأبيها.

​بعد أسبوعين من تلك الزيارة، قررتُ التوجه للعمرة بحافلة ابن عمتي من بلدنا. وحينها، وأنا على متن الحافلة، علمتُ أن مُنية القلب وزوجة المستقبل ستكون معنا في هذه الرحلة المباركة! يا لجمال القدر!

​زاد إيماني بالرحلة، وطرتُ فرحاً. لكني لم أرَها، فقد كانت في مؤخرة الحافلة، ونحن الرجال في المقدمة، ويفصل بيننا ساتر وحجاب، إضافة إلى أنها كانت ترتدي النقاب. لم أتعرف عليها، لكني علمتُ بوجودها، وهي كذلك.

​عشتُ في مخيلتي لحظات سعادة وفرح غامر. كنتُ كثير الخدمة والمشاركة في الرحلة، مثالاً للأدب والخلق، كل ذلك لأجلب انتباهها. ألقيتُ القصائد في الحافلة، وشاركتُ في كل مناسبة خلال مسيرة يومين فقط، فقط لتعلم أني حاضر. مسكين أنت يا ناصر!

​ما إن وصلنا مكة، عشنا أياماً مباركة، ثم توجهنا إلى المدينة المنورة، وبعدها جاء وقت الرحيل والعودة للوطن.

​عند الحدود، جاءني أمير القافلة وقال: "خذ الجوازات لختمها." عندها، دارت الأفكار في رأسي بسرعة: "افتح جوازها، وستسرق النظر إليها للمرة الأولى..." لكني لم أفعلها، خوفاً وحياءً من الله، خاصة وأنا عائد من العمرة. خاب ظن الشيطان بي والحمد لله.

​أكملنا المسير إلى أن جاء وقت الفراق... فما رأيتُ إلا عباءة سوداء لفتاة بيضاء بنقابٍ يشعُّ منه النور.

​مضت الأيام وأنا أسبح في خيالٍ بعيد، ظناً مني أن الأمور تسير على ما يرام، وأن أختي ستقوم بالواجب. لم يكن لي مع الحب وصال، ولا رسائل نصية؛ بل كنتُ أنتظر لجمع المهر براتبي المتواضع حينها، وبناء البيت، ثم التوكل على الله.

​فقررتُ أن أكتب لها هذه القصيدة، وما كنتُ يومها بشاعر، لكن الإلهام كان أقوى من كل شيء. فقلتُ: "أنتِ الحب."


​أنتِ الحُبُّ

​في دروبِ الحُبِّ رُحتُ مُفَكِّرًا

فيمنْ قلبي لهُ يَختارُ

​حائرًا باحثًا، أتساءلُ: مَن

ذا الذي قلبي لهُ انهارَ؟

​كم تلاعبتْ بهِ الأقدارُ

وكم شابَ رأسي من كثرةِ الأفكارِ

​كم خبأتُ في قلبي سرًّا

وما كنتُ لأحيا لأُخفيَ الأسرارَ

​كم عاشَ الحُبُّ في قلبي سجينًا

من كثرةِ الترحالِ ولوعةِ الأسفارِ

​باحثًا عن حبيبتي ومُنيةِ القلبِ

راكبًا الأمواجَ قاطعًا للبحارِ

​فإذا بكِ نجمةٌ في ظلامِ الليلِ

مُشرقٌ نورُكِ سحرًا وإبهارًا

​جمالُ وجهكِ نورٌ يُضيءُ قلبي

وبه تُغنّيت بأجملِ الأشعارِ

​شعاعُ عينيكِ وميضُ نورٍ أهتدي

بهِ في ظلمةِ الليلِ ومشقةِ الأسفارِ

​وبصفائهما الشموسُ استدارتْ

وأشرقتْ بضيائهما الأنوارُ

​صوتُكِ النَّدِيُّ لحنٌ يجري في مسامعي

كجريِ المياهِ في الأنهارِ والبحارِ

​وبسماعِ صوتكِ تَزهو بهِ الدنيا

فتغنَّتْ بهِ الطيورُ ليلَ نهارِ

​جمالُكِ آسِرٌ يا حُلوتي، سَرَّ

الناظرينَ الأشرارَ منهم والأخيارَ

​عطفُكِ وحنانُكِ سحابةٌ أظلَّتْني

من لهيبِ الشمسِ وأنزلتْ عليَّ الأمطارَ

​حُبُّكِ نبعُ ماءٍ أحيا بهِ

مثلَ النَّدَى تَحيا بهِ الأزهارُ

​سيبقى حُبُّكِ ما حييتُ أبدَ الدهرِ

ويَعْمُرُ حُبِّي لكِ مهما طالتِ الأعمارُ

​فأُفاخرُ بهِ الناسَ وأعلنُهُ

على الملأِ بكلِّ عزٍّ وافتخارِ

​فستَبْقينَ الحُبَّ مهما اختلفتِ الأفكارُ

وستَبْقينَ الحُبَّ مهما علتْ بيننا الأسوارُ.

تعليقات